«الشروق» تونس: ومن هذا المنطلق لم تكن تلك الاتهامات الا طورا متقدما في انهيار البرلمان عن قصد او عدم وعي في مسار ارباك «دولة القانون والمؤسسات» وتضييق الخناق على كل مبادرة تحمق الحريق الاقتصادي والاجتماعي في ارتباط بصعود سطوة المال السياسي الفاسد على تفاعلات ما يسمى «الانتقال الديمقراطي» بما في ذلك العملية الانتخابية. الحاويات المشبوهة وبلغة الأرقام فإن تلك الاتهامات تزامنت مع تعمّق مسار تجفيف منابع الاقتصاد الموازي من خلال تطور الاستخلاصات الديوانية بنحو ٪26 العام الفارط لتتجاوز عتبة 8 مليارات من الدنانير وهو رقم لم يكن ليتحقق لولا الرقابة المشددة التي فرضت على حركة الحاويات خاصة بعد إحداث خلية صلب إدارة التصرف في المخاطر للديوانة تعنى بمراقبة «الحاويات المشبوهة» وهذا التحوّل تزامن ايضا مع تعمق الحرب على الفساد التي شملت الى حد الآن 29 من رؤوس التهريب الكبرى أرغموا بعد مراجعات جبائية معمقة ومعقدة على أداء 6060 مليون دينار لخزينة الدولة وهو ما يعكس خطورة الرهان المالي للحرب على الفساد التي واجهتها «مافيا التهريب» باستهداف مفضوح لأغلب جنرالات الابحاث الديوانية وأساسا عبر حبك قضايا وهمية ضدهم تجبر القضاء على فتح تحقيق بشأنها واستدعاء مسؤولي الديوانية لسماعهم على الأقل بهدف إحباط عزائم ضباط الأبحاث الديوانية ومن ورائهم جهاز الاستعلامات. جنرال في السجن ويبدو جليا ان عضو البرلمان المذكورة قد غفلت عن معطى جوهري عندما أعادت توجيه الاتهام الى العميد «ماهر القاسمي» وهو انه سبق لهذا الأخير أن أودع السجن على ذمة التحقيق لمدة أشهر قبل الافراج عنه وعودته الى النبش في ملفات رؤوس الفساد علما أن القضية التي حُبكت ضده شارك فيها لفيف من الخارجين عن القانون بما في ذلك نساء احترفن تجارة الشنطة؟ وبالنتيجة فإن النائبة المذكورة لم تخطئ بقدر ما أخطأت السلطة الحاكمة بعدم اتخاذ تدابير استثنائية لحماية الساهرين على تنفيذ الحرب على الفساد خصوصا وأن هذه الأخيرة كانت ايضا منطلقا لتفكيك شبكات تهريب العملة الصعبة وآخرها الشبكة التي قامت بتهريب 267 مليون دينار وتورط فيها «مهرب» مع مديرين اثنين في مؤسسة بنكية أجنبية! وذات الاتهامات تستهدف بشكل غير مباشر الحرب الدائرة ضد تهريب الذهب والتي شكلت على مدى العام الأخير أهم العوامل التي حالت دون انهيار الدينار التونسي من خلال ضخ الديوانة التونسية يوميا لكميات من الذهب لفائدة البنك المركزي. وبالمحصلة فإن عودة الاتهامات الى الديوانة في هذا الظرف بالذات قد زادت في تعرية جوهر الأزمة المالية الخانقة التي تواجهها البلاد وهي تحول «مافيا الموازي» الى دولة داخل الدولة فالمعركة الدائرة اليوم ليست معركة الديوانة وإنما حرب بالوكالة عن 11 مليون تونسي يحترقون بالنار التي أشعلها بارونات الموازي في خزينة الدولة واحتياطي البنك المركزي وموازنات الصناديق الاجتماعية.