هل أصبح القطاع السياحي في تونس في حاجة إلى استراتيجية جديدة تقوم على ضرورة تنويع المنتوج وتثمين ما لم يتم تثمينه؟ وهل أنّ الفاعلين في القطاع على استعداد لوضع هذه الاستراتيجية وتطبيقها بما يتلاءم وحجم هذا القطاع ومكانته في الاقتصاد الوطني؟ الأسئلة كثيرة، والفرضيات تكاد تلتقي عند ضرورة تغيير نسق العمل ومناهج التسويق للوجهة السياحية التونسية، رغم الحديث عن مؤشرات إيجابية واعدة لهذا الموسم وعن العودة التدريجية للأسواق التقليدية. سياحة أم فندقة؟ مفهوم السياحة في تونس لا يزال مرتبطا إلى حدّ بعيد بمفهوم الفندقة، فالمناطق السياحية عموما مرتبطة بسلسلة من الفنادق التي لا يكاد يغادرها الوافدون عليها إلا للقيام بجولات خفيقة في محيطها القريب، وهذا ما يطرح دور الأدلّاء السياحيين ووكالات الأسفار وأساليبها في الاشتغال على كسب ثقة السائح في الوجهة التونسية. وقد اعتبر رئيس المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ناجي جلول خلال جلسة حوار وطني حول القطاع السياحي نظمها المعهد أمس الأول بالمنستير أنّ السياحة ليست مجرد فنادق فخمة وإنما هي قدرة على التسويق وعلى «بيع» صورة تونس وجمالها، جمال طبيعتها وواحاتها وجبالها مشيرا إلى أهمية دور الأدلاء السياحيين الذين لا يعيرون اهتماما كبيرا حتى الآن للمناطق الأثرية. وتحدث جلول عن خصائص مميزة لتونس تجعل منها واحدة من أبرز الوجهات السياحية في العالم ومنها الخصائص الطبيعية كالواحات والمحميات والجبال، والخصائص اللوجستية التي تجعل منها وجهة مهمة للسياحة الاستشفائية والسياحة البيئية. وأكد جلول ضرورة تنويع المنتوج السياحي وتثمين التراث المادي واللامادي لتونس، متسائلا «لماذا لا يتم تقديم الأكلات الشعبية لجهة الساحل مثلا في النزل الكثيرة التي تعج بها المنطقة؟»، وخلص الوزير السابق إلى القول «إن العالم يتغيّر ونحن اليوم أمام خيارين فإمّا أن نواكب هذا التغيير أو أن نتجه نحو الاندثار». استراتيجية تشاركية وقد بدأت وزارة السياحة منذ سنة 2017 تطبيق منهج «المناظرات السياحية» القائمة على مبدأ التشاركية، وهذه المناظرات هي مسار تشاركي وجملة لقاءات جهوية ووطنية بمشاركة الفاعلين في القطاع السياحي انطلق في مارس 2017 بتحديد الإجراءات ذات الأولوية وباقتراح آليات التدخل في المواضيع التالية: النفاذ إلى الوجهة التونسية والاتصال والترويج والسياحة المستدامة وجودة العرض السياحي والتاهيل والتنمية. وتهدف الاستراتيجية التي تعتمدها وزارة السياحة أساسا إلى «الارتقاء بنوعية السياحة التونسية وبلوغ أهداف كميّة طموحة على مستوى الاستثمار والتدفّق السياحي والرفع من نسبة الإشغال بالوحدات الفندقية» وفق المديرة العامة بوزارة السياحة منى مثلوثي. وأوضحت مثلوثي أنّ هذه الاستراتيجية تعتمد على الارتقاء بالجودة وتنويع المنتوج السياحي ووضع برامج ترويجية جديدة ومتأقلمة مع الأسواق الموفدة للسياح والحوكمة الرشيدة في القطاع السياحي والشراكة مع القطاع الخاص. واعتبرت المديرة العامة بوزارة السياحة انّه بالنظر إلى التحولات العميقة التي يشهدها القطاع في العالم في ظلّ بروز وجهات ومنتوجات جديدة وحرفاء جدد وانتشار الاتصال والترويج الرقمي واعتماد الأجواء المفتوحة وتغيّر نمط الإيواء السياحي، وتبعا لما عاشه القطاع من هزات جراء الأحداث الإرهابية فقد أملت هذه التحولات والتحديات تعديل استراتيجية العمل حسب المستجدات التي أثرت على المقصد السياحي التونسي، وبالتالي الإسراع بوضع مخطط عملي وإجراءات ذات أولوية قابلة للتنفيذ. مؤشرات إيجابية وقد سجل القطاع السياحي خلال الثلاثي الأول لهذه السنة تطورا في المؤشرات العامة، حيث بلغ عدد الوافدين أكثر من مليون ونصف المليون شخص أي بنسبة تطور بلغت 17,4 % مقارنة بنفس الفترة من الموسم الماضي، وتعود أسباب هذا النمو الإيجابي إلى تطور مؤشرات الاسواق الأوروبية بنسبة 22,3 % على غرار السوق الفرنسية وخاصة الإنقليزية التي سجلت تطورا بنسبة 140 %. وتهدف وزارة السياحة خلال هذه السنة إلى بلوغ مليون سائح فرنسي و390 ألف سائح ألماني و640 ألف سائح روسي بما سيمكّن من تحقيق رقم 9 ملايين سائح من مختلف الأسواق التقليدية وغير التقليدية. كما سجلت الأسواق المغاربية بدورها نسقا تصاعديا خلال الفترة ذاتها وبلغت نسبة النمو 20,2 % وتتصدر الجزائر المرتبة الأولى بحوالي 496 ألف زائر ثم ليبيا بنحو 473 ألف زائر. وسجلت المداخيل السياحية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة تطورا هاما قُدّر ب 35,1 % حيث بلغت 787'8 مليون دينار.