إن مختلف تجارب الانتقال الديمقراطي الحديثة في العالم أثبتت وفق قاسم مشترك وموضوعي أن بناء الدولة الديمقراطية يكون بالفصل بين السلط وبدعم الاستقلالية. يعتبر مبدأ الفصل بين السلط أحد المبادىء الأساسية التي ترتكز عليها النظم الديمقراطية، وهو مبدأ رئيسي للديمقراطية، تماما على نحو يماثل مبدأ سيادة الشعب. ويرجع هذا المبدأ إلى المفكر الفرنسي مونتيسكيو في كتابه روح القوانين و المفكر جون جاك روسو في كتابه العقد الإجتماعي. وفي هذا الإطار خيرت تونس بمختلف أطيافها ومكوناتها المدنية والسياسية فصل السلطة التشريعية عن السلطتين التنفيذية والقضائية. فكان مبدأ الاستقلالية من المبادئ الدستورية لمجلس نواب الشعب وهو مبدأ كرسه دستور 27 جانفي 2014 حيث نص في فصله 52 على تمتع مجلس نواب الشعب بالاستقلالية الإدارية والمالية. كما تم إقرار هذا المبدإ في القانون الأساسي للميزانية الصادر في 13 فيفري 2019 حيث نص في فصله 43 على أنه «يتمتع مجلس نواب الشعب بالاستقلالية الإدارية والمالية في إطار ميزانية الدولة. وتحدد إجراءات التصرف في ميزانيته بقرارات من رئيسه. رئيس مجلس نواب الشعب هو ممثله القانوني ورئيس إدارته وآمر صرف ميزانيته». إن الصلاحيات التي منحها الدستور التونسي لمجلس نواب الشعب ومن بعده القانون الأساسي للميزانية لم يتم استغلالها بالقدر الأمثل والجدير بنا تفعيلها بالشكل الذي يجعل مؤسستنا التشريعية أمينة على الشرعية الدستورية حريصة على فرض احترام وتطبيق ما ورد فيه. آليات تفعيل الاستقلالية المالية يراد بالاستقلال المالي أن يعد مجلس نواب الشعب ميزانيته ويضبط توجهاتها وحجمها دون تدخل من السلطة التنفيذية، تماشيا مع حاجياته الفعلية وبما يضمن اضطلاعه بمختلف الأدوار والمهام المناطة بعهدته على المستوى التشريعي والرقابي والديبلوماسي. كما ينفذ المجلس ميزانيته طبقا لنظام ميزانياتي مالي ومحاسبي خاص به مع مراعاة القواعد المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية. إضافة إلى ذلك يرسي مجلس نواب الشعب نظاما للشراءات والصفقات خاصا به يراعي فيه المبادئ العامة للطلب العمومي. أما فيما يخص الرقابة المسبقة و/أو المتزامنة، فان المجلس مدعو لإحداث هيكل رقابي داخلي يضمن سلامة ونزاهة صرف ميزانيته وذلك بعد أن نصت الفقرة الثانية من الفصل 51 من القانون الأساسي للميزانية على أنه «لا تخضع ميزانية مجلس نواب الشعب وميزانية المحكمة الدستورية وميزانية المجلس الأعلى للقضاء إلى تأشيرة مراقب المصاريف العمومية والأحكام والإجراءات المنصوص عليها بالأمر المنظم للصفقات العمومية مع احترام مبادئ المنافسة و الشفافية والنجاعة والمساواة أمام الطلب العمومي» آليات تفعيل الاستقلالية الإدارية أما فيما يخص الاستقلال الإداري، فان مجلس نواب الشعب مدعو إلى صياغة الأنظمة الخاصة به لتنظيم وتسيير المرافق الإدارية للمجلس دون أن يكون ذلك خاضعا للسلطة التنفيذية من ذلك إعداد أدلة إجراءات للتصرف الإداري تتلاءم مع مقتضيات الاستقلالية، تحديد وضبط الوضعيات الإدارية بموجب قرارات صادرة عن رئيس مجلس نواب الشعب، تركيز هيكل رقابي داخلي يعنى بالتصرف الإداري، إصدار نظام أساسي عام للوظيفة العمومية البرلمانية يراعي خصوصية العمل البرلماني ومراجعة تركيبة ومشمولات مختلف لجانه الإدارية الداخلية. يجدر التأكيد كذلك أن الاستقلالية لا تعني عدم الخضوع للرقابة وعليه فإن محكمة المحاسبات ،بالإضافة إلى هيكلي الرقابة والتدقيق الداخليين، تمارس رقابة لاحقة على ميزانية مجلس نواب الشعب وتبدي ملاحظاتها حول تقريره السنوي للأداء.