يكاد «التوافق» يتحول إلى صناعة تونسية بحتة، فنحن نحشره في كل تنافس أو خلاف أو خصام… جربنا التوافق في الدستور والحكومات ونراهن عليه إلى اليوم في المصادقة على القوانين... ومع هذا، وسعناه إلى المؤتمرات الانتخابية فهل ينفع التوافق عندما يتعين الانتخاب؟ تونس الشروق: من حركة تحيا تونس، إلى حركة نداء تونس، إلى التيار الديمقراطي إلى جل الأحزاب التي قدّر لها أن تعقد مؤتمراتها التأسيسية أو الانتخابية… من هذه الأحزاب من توجه إلى التوافق صراحة ومنها من لجأ إليه بطريقة غير مباشرة حتى يعطي الشرعية لقائمة معينة أو مرشح معين لمنصب حزبي أو للانتخابات الرئاسية. في مؤتمر «تحيا تونس» الأخير، حضرت التوافقات بدل الانتخابات، فبعد الاتفاق على الاحتكام إلى الصندوق، تم في المؤتمرات الجهوية اللجوء إلى التوافقات لحل الخلافات ثم تمت الإستعاضة عن ترشيح 4 قائمات للتنافس انتخابيا على المجلس الوطني بقائمة توافقية ترأسها سليم العزابي. وفي مؤتمر النداء تم تعويض القائمتين المتنافستين تحت قيادتي طوبال وحافظ بقائمة توافقية، وفي مؤتمر التيار الديمقراطي كان اللجوء إلى الانتخابات لكن محمد عبو لم يجد منافسا على الأمانة العامة ولا على الترشيح للرئاسية، وفي مؤتمر تونس إلى الأمام تم التوافق على عبيد البريكي أمينا عاما... فما الداعي إلى التوافق؟. إرضاء الجميع هناك حاجة شديدة إلى التوافق فأحيانا تترشح شخصيتان أو أكثر من الشخصيات المؤثرة جهويا أو حزبيا في قائمات انتخابية متنافسة ما يعني بقاء شخصية واحدة منها وانسحاب البقية. في هذه الحالة يخسر الحزب عددا من شخصياته المؤثرة، والأخطر أن تغضب بعض الشخصيات الخاسرة في الانتخابات الحزبية (الجهوية أو المركزية) فتعلن عن انشقاقها وتؤسس حزبا جديدا أو تنضم إلى حزب منافس. ومن دواعي التوافق في الإنتخابات عدم إحراج شخصية ما بمنافستها على منصب حزبي أو على الترشح للرئاسية ومثال ذلك ما حدث في حزب التيار الديمقراطي حيث خير الشواشي عدم الترشح لمنافسة محمد عبو. وبالإضافة إلى هذا كله فإن الشرعية التأسيسية تطغى أحيانا على الشرعية الانتخابية فيبدو المؤسس أو المؤسسون أصحاب حق في الحزب وإذا تقدموا إلى الانتخابات الحزبية في قائمات متنافسة تم التفكير آليا في قائمة توافقية تجمع بينهم حتى يرضى جميعهم. ولكن هل إن هذا الحل سحري؟. مؤتمر انتخابي بلا انتخابات تطرح المسألة من زاويتين أولاهما نظرية مبدئية وثانيتهما واقعية عملية، أما من حيث الزاوية الأولى فإن المؤتمرات الانتخابية تستمد اسمها من صفتها (الانتخاب) وعليه فإنها تصبح مفرغة من مضمونها إذا تمت الاستعاضة عن الانتخابات الديمقراطية بالتوافق. مثل ذلك أن تضبط دولة ما موعدا لانتخاب رئيس لها بطريقة نزيهة وشفافة فيتقدم عدد من المرشحين ثم يقع تجميعهم كلهم في قائمة توافقية يتم بمقتضاها اختيار الرئيس ونائبه ومساعديه… دون التفكير في إرادة الناخبين. المسألة تطرح في هذه الزاوية من ناحية أخرى، فلنفترض أن قياديا ظل يدير حزبا ما ويسيره اعتمادا على شرعيته التأسيسية باعتباره مؤسسا للحزب أو مشاركا في تأسيسه ثم وجد من يخالفه الرأي ويطعن في شرعيته فهل من المنطق أن يكتسب شرعية انتخابية اعتبارا على توافق البقية من حوله؟ وما العمل إذا كانت الأغلبية التي توافقت من حوله تدعمه وتدافع عنه لأسباب شخصية تتعارض مع مصلحة الحزب وما تريده قاعدته؟. من حل إلى مشكل لا تقل الناحية العملية خطورة عن الناحية المبدئية فبعض التجارب تظهر أن التوافقات لم تكن دائما حلا جذريا للمشاكل والخلافات بل كانت أحيانا سببا في خلق مشاكل وخلافات أخطر من المشاكل المراد تجاوزها بالتوافق. قد تكون تجربة نداء تونس الأخيرة خير دليل على رأينا، فخلال مؤتمره الأخير تم التفكير في قائمة موحدة بين جماعة حافظ وفريق طوبال حتى يحافظ الجميع على مكانتهم في القيادة وحتى يتم تتويج أحدهم قائدا لهم لكن هذا الحل كان سببا في تحول المؤتمر الانتخابي الواحد إلى مؤتمرين وظهور قيادتين بدل قيادة واحدة ورئيسين للجنتين مركزيتين بدل رئيس واحد للجنة واحدة. في أغلب ديمقراطيات العالم يتدرب السياسيون على الديمقراطية عبر الانتخابات الحزبية الداخلية فتكون الغلبة للأكثر شعبية، أما في تونس فلنا تجربة مختلفة يتحسّب فيها بعضنا للمشاكل والخلافات وغضب فلان وانسلاخ فلتان ويبحث عن الحل في التوافق لكن النتيجة تكون في النهاية كالمستجير من الرمضاء بالنار.