رأسان متنافران متضادان لجسد واحد منهك، رأس يقود إلى اليمين والآخر إلى الشمال هذا ما يحدث حاليا لما تبقى من نخلة نداء تونس فأي أثر لهذه النتيجة على حزب النداء وما هي انعكاساتها على مشروع النداء؟. تونس «الشروق»: قدر حزب النداء أن يتفكك كلما حاول التوحد، وأن يزيد في حدة خلافاته الداخلية كلما سعى إلى احتوائها وأن يشتت شمله كلما توجه إلى لمّه. هي نتيجة حتمية لحرب زعامات يستمد كل واحد منها شرعية خوضها ظاهريا من مصلحة الحزب لكنه يضحي في الواقع بأي مصلحة في سبيل تحقيق مصلحته الخاصة. بوادر الحرب ظهرت منذ التنافس على ترؤس القائمات الانتخابية لتشريعية 2014، وتعززت أثناء اقتسام غنيمة الفوز بالانتخابات التشريعية والرئاسية، وتحولت من حرب شوارع إلى حرب أروقة داخل بعض نزل سوسة حيث تم عقد مؤتمر جانفي 2016. الحرب وضعت أوزارها بانقسام الحزب وكتلته البرلمانية وظهور حركة مشروع تونس وكتلتها «الحرة» لكن الخلافات حول الزعامة لم تتوقف بل راح كل زعيم يفر بجماعته إلى حزب ندائي جديد حتى كانت الضربة القاصمة الحالية بعقد مؤتمرين انتخابيين (المنستير والحمامات) داخل مؤتمر انتخابي واحد، وانتخاب رئيسين (حافظ وطوبال) للجنة مركزية واحدة فما هي الفرضيات الممكنة: رسائل سلبية قد يتنازل أحد الطرفين للآخر وهذا مستبعد، وقد يتم اللجوء إلى القضاء الإداري، وقد يعلن أحد الشقين انفصاله نهائيا عن الشق الآخر… مهما كانت الفرضيات فإن حزب النداء يخرج خاسرا بالضرورة لأنه سيزداد ضعفا ووهنا وانشطارا، ومن غير المستبعد أن يولد حزب ندائي ليلحق بالأحزاب التي تفرخت عن النداء الأم. حتى لو تم احتواء الخلافات الدائرة حاليا فإن الحزب قدم للناخبين والشخصيات المترددة حول الالتحاق به جميع الرسائل السلبية الممكنة حول حزب لا يقوى على شيء، وحول قيادات لا تتقن غير تكتيكات حروب الزعامات. لا أمل للناخبين في نجاح حزب النداء ولا فائدة من التصويت له… الرسالة وصلت إلى الناخبين قبل أشهر قليلة من انطلاق الامتحان الانتخابي ما يعني أن حزب النداء انتهى وأن أبناءه المهوسين بالزعامة والمناصب أو الخائفين من التتبعات العدلية هم من جنوا عليه وإن سعت بعض الأحزاب الأخرى إلى محاولة إضعافه في حرب وجودية مشروعة. فرصة للتوحّد حول المشروع حزب النداء انتهى ولو قدر لحافظ أو طوبال أن يبقى وحيدا فيه لاختلف مع نفسه ولانشطر جزء منها عن الجزء الآخر فهذا مصير كل حزب يبنى على المصالح الشخصية بدل العقيدة الحزبية، ولكن النداء ليس مجرد حزب بل هو مشروع ظهر سنة 2012 قبل أن يظهر الحزب وتسميته. هذا المشروع لم يتغير ولم ينقسم رغم محاولة بعض الأحزاب الندائية الإقناع بأحقيتها في الاستئثار به. لا فرق اليوم بين تحيا تونس وحركة مشروع تونس وبقية الأحزاب المستقلة عن النداء وحتى نداء تونس إلا في تسمياتها وهويات قيادييها ومدى تمسكهم بالزعامة الضيقة (داخل الحزب) والزعامة الأوسع (زعامة المشروع الوسطي الندائي) والزعامة الأرحب (الوصول إلى رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية). أغلب هذه القيادات مقتنعة بضرورة التوحد لإحياء المشروع الندائي المشترك وفيما تبدو الطريق بين تحيا تونس وحركة المشروع سالكة فإن بين الحزبين من جهة وحزب النداء من أخرى عقبة كبيرة اسمها حافظ. قد تزول هذه العقبة فتلتقي الأحزاب الندائية في تحالفات انتخابية أو استراتيجية ينتفع منها جميعها ولكن أنى لحافظ أن يستسلم بعد أن أفنى سنوات من حياته السياسية في إقصاء كل من يحاول إقصاءه. من «النداء» إلى «تحيا تونس»؟ رجح المحلل السياسي عبد الله العبيدي أن تكون حركة تحيا تونس قبلة لبعض الندائيين الذين لا يجدون منصبا حزبيا في مؤتمر النداء الحالي. وقال الديبلوماسي السابق في تصريح صحفي إن المؤتمرات الانتخابية تشهد بعض الاختلافات ولا يمكن استثناء أي حزب من هذه الخلافات ولكن ليس بحجم ونسبة الخلافات التي جرت في مؤتمر نداء تونس. وأرجع العبيدي هذا التميز إلى غياب القيم والقضية التي تدفع أعضاء الحزب (في العادة) إلى تجاوز الخلافات الضيقة.