فندق العياشي أو (أوتيل العياشي) أشهر فندق في العاصمة لطبيعة الخدمات التي يقدمها للحرفاء وهم من داخل البلاد، فهو ملاذ القادمين من داخل البلاد الى العاصمة لقضاء شؤونهم.. هذا الفندق الذي تحتضنه باب سويقة قام صاحبه في أربعينات القرن الماضي بفتح فضاء تحت اسم «صالة محمد العياشي» لإحياء سهرات رمضان للحرفاء من خلال الموسيقى والغناء. وكان على محمد العياشي أن يختار الصوت القادر على شدّ الانتباه وتقديم النغم التونسي الأصيل... فوقع الاختيار على حسيبة رشدي لتكون نجمة هذا الفندق في سهرات رمضان فكان ان كسب الفندق الرهان على اعتبار ما تقدمه حسيبة رشدي وهي في قمة جمالها من ألحان وأغنيات تونسية الى جانب اشتهارها بتقليد كوكب الشرق أم كلثوم في أغانيها الرائجة في تلك الفترة ومنها أغنية «جنّة نعيمي في هواك» وحسيبة رشدي التي انطلقت في تأثيث مسيرتها الفنية سنة 1937 بصفاقس حطت الرحال بتونس سنة 1940 باقتراح من المطربة فتحية خيري وبتشجيع من عازف البيانو محمد الشيشني وأخذت أصول التمثيل عن الأستاذ الطاهر بن الحاج. أما الغناء فكان الملحن محمد التريكي المهتم والراعي الأول لها فسهر على تدريبها وتعليمها أصول الغناء التونسي بتوصية من البشير الرصايصي الذي سجل لها في ما بعد كمّا هائلا من الاسطوانات. ارتبطت حسيبة رشدي بالملحن محمد التريكي واسس لها فرقة خاصة تضمّ علي السريتي على آلة العود وإبراهيم صالح ومحمد الجبوري (آلة القانون) وصالح المهدي (الناي) وتعاقدت حسيبة رشدي في رمضان 1940 مع صالة محمد العياشي لتضيء لياليها بروائع طربية تونسيةأصيلة فقد لحّن لها محمد التريكي العديد من الأغاني المتميّزة في أنغامها ومضامينها ك«محلاها تذبيلة عينك» و«يا راكبين الخيل قولوا لحواء» و«جسمي بعيد عليك» و«في ضي القمرة». وبعد رحلة فنية قادتها الى الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم باريس حطّت الرحال أواخر الأربعينات الى القاهرة لتبدأ رحلة فنية جديدة في مسيرتها امتدت حوالي العشر سنوات قبل العودة نهائيا الى تونس مع حصول تونس على الاستقلال. ومحمد التريكي كان شاهدا مميزا لقرن من الموسيقى، زامل أكبر الأسماء في الأغنية التونسية كحبيبة مسيكة وصليحة وشافية رشدي وهناء راشد وخميس ترنان وسيد شطا وعلي الدرويش. حفظ المالوف والأدوار والأناشيد الصوفية في سنّ مبكرة عن طريق والده الذي كان من أقطاب شيوخ العيساوية وتعلم أصول الموسيقى على قواعد صحيحة وعلمية ودرس الترقيم والعزف على آلة الكمنجة على أيادي أساتذة أوروبيين بالمعهد العلوي.