الحياة الحافلة التي قضاها الامام سحنون تعتبر حقبة من الزمن تقدر بثمانين سنة ، من سنة 160 هجري سنة ميلاده الى سنة 240 هجري تاريخ وفاته . واذا اردنا ان نقسم هذه الحقبة الى مراحل فاننا نستطيع ان نرجعها الى اربع مراحل : المرحلة الاولى ، ما قبل الرحلة المصرية اعني من سنة 160 هجري الى سنة الرحلة التي سيأتي الكلام في ضبطها . ، والمرحلة الثانية هي الرحلة الى العودة . والمرحلة الثالثة هي العودة الى القضاء . والمرحلة الرابعة هي من القضاء الى الوفاة . اما المرحلة الاولى التي هي ما بين سنة 160 هجري وسنة 178 هجري او سنة 188 هجري على ما سيأتي من الاختلاف في ذلك والتي هي عبارة عن ثمانية عشر عاما او ثمانية وعشرين عاما هذه المرحلة الاولى هي المرحلة التي نشأ فيها سحنون في القيروان وتخرج على عظماء رجالها من الفقهاء من اصحاب مالك بن انس مثل بهلول بن راشد ، وابن غانم ، وابن اشرف ثم انتقل فيها الى تونس فتخرج في تونس على الامام علي بن زياد صاحب الامام مالك ايضا . ويتصل بهذا امر ذو عبرة سامية ومغزى كبير وهو ان سحنونا اشتهر في القيروان قبل رحلته القريبة الى تونس الى علي بن زياد بانه رجل جاد في طلب العلم حسن القصد فيه مخلص وجهته في الطلب لله تعالى . فلما رحل الى علي بن زياد بتونس اخذ كتاب توصية من شيخه بالقيروان الامام بهلول رضي الله عنه فكتب بهلول الى علي بن زياد : « انني قد ارسلت اليك رجلا يطلب العلم لله « . فكان من هذه التزكية السامية ان علي بن زياد لما اتصل بهذا المكتوب لم ينتظر ان يأتيه سحنون الى بيته ولا ان يلقاه في حلقته بجامع الزيتونة الاعظم ولكنه اخذ كتبه وبادر الى المكان الذي نزل فيه سحنون قائلا « ان الذي يطلب العلم لهذه الغاية السامية يطلب العلم لله جدير ان يقصد لا ان يقصد « . وكذلك تخرج سحنون على علي بن زياد تخرجه الذي يعتبر ذا الاثر الكبير في تكوين اتجاهه الى تدوين « المدونة « زيادة على ما سيأتي من صلته بالقاضي الامير اسد بن الفرات . واما الرحلة الثانية من حياة سحنون وهي مرحلة الرحلة فان روايات المؤرخين اختلفت في تحقيقها فذهب بعضهم الى انها كانت سنة 178 هجري وذهب اخرون الى انها كانت سنة 188 هجري فالخلاف في عشر سنين وقد رجح القاضي عياض جمعا بين الروايات المختلفة ان يكون لسحنون رحلتان بان يكون سافر اولا الى مصر سنة 178 هجري ثم رجع الى القيروان ثم سافر مرة اخرى سنة 188 هجري وتكون رحلته الاولى هي التي كان فيها في مصر ومالك بن انس رضي الله عنه موجود في المدينة ومكاتيب مالك ترد الى ابن القاسم في مصر والثانية هي التي استقر فيها الى ان رجع سنة وفاة عبد الرحمان بن القاسم وهي سنة 191 هجري . فالمرحلة التي بين الرحلة والعودة هي المرحلة التي لقي فيها سحنون اصحاب مالك المشرقيين بعد ان لقي بالقيروانوبتونس اصحابه المغربيين . فلقي أشهب وابن وهب وابن عبد الحكم في مصر . ولقي في المدينةالمنورة ابن نافع وابن الماجشون . ولقي غير اصحاب مالك من ايمة الفقه المجتهدين مثل الامام الليث بن سعد في مصر والامام سفيان بن عيينة في العراق والامام عبد الرحمان بن مهدي بالعراق وكانت له رفقة منسجمة متصلة مع ابن القاسم واشهب وابن وهب حتى انه حج مع هؤلاء الثلاثة ، وينتهي هذا الدور وهو الدور الشرقي من حياة سحنون الذي استكمل فيه تحقيق المذهب المالكي بالاستناد الى الروايات المشرقية جمعا مع ما عرف قبل ذلك من الاستناد الى الروايات المغربية انتهى بالعودة الى القيروان سنة 191 هجري . يتبع