لئن تتسابق القنوات التلفزيونية هذه الأيام لكسب رهان اكبر نسبة للمشاهدة وضمان اكبر عائدات الاشهار على حساب المضمون فان الامر كام مختلفا بدرجة كبيرة خلال فترة الستينيات والسبعينيات بدرجة أولى ... لقد كان الترفيه البريء وتوفير المتعة للعائلة التونسية في شهر رمضان من ابرز اهتمامات التلفزة التونسية ...كانت الشاشة الصغيرة تجمع حولها العائلة التونسية في سهرات رمضان للاستمتاع بإنتاجات درامية تجمع بين الفكاهة والمرح والنقد الجدي لظاهر اجتماعية بخطاب راقي دون مس فيه للأعراض واستعمال للكلام السوقي المسيطر هذه الأيام على جل هذه الانتاجات التي تشرع للعنف والمخدرات والجريمة في حق المجتمع التونسي الحاج كلوف شخصية طريفة صاغها الشاعر الكبير أحمد خير الدين من خلال أحداث ومواقف يغلب عليها الهزل والمرح والتعاليق الساخرة الممتعة... هذه الشخصية طبعت سهرات شهر رمضان في ستينيات القرن الماضي ضمن البرنامج الاذاعي الشهير «تحية الغروب» بإمضاء عادل يوسف. شخصية تميّزت بمواقفها التي فيها تدخل في شؤون الغير.. والتعاليق على ما يقوم به من أعمال أو يختاره من مواقف.. (الحاج كلوف) يتدخل وبكل قوة في كل ما لا يعنيه لا من بعيد أو من قريب. ولدت هذه الشخصية من رحم المجتمع التونسي فأضفت على الصائمين وهم يتابعون مواقفها بعد أذان المغرب في رمضان مسحة من المرح والفكاهة. ولدت شخصية (الحاج كلوف) مع الممثل البشير الرحّال الذي أعطاها وسخّر لها كل ثقافته وموهبته المسرحية... ثم كان الموعد مع صالح المهدي فأمحمد الأكحل... وصاحب شخصية (الحاج كلوف) الممثل الكبير محمد بن علي في دور (الحطاب) والزهرة فائزة زوجة (الحاج كلوف) وعبد العزيز العرفاوي في دور (مرزوق) الخادم. هذه السلسلة الاذاعية الناجحة والخالدة في الذاكرة عمل المخرج عبد الرزاق الحمامي سنة 1970 على تحويلها الى التلفزيون من خلال سلسلة بالأبيض والأسود بثت مباشرة. تم خلالها تكريم الممثل البشير الرحال من خلال تصوير بعض الحلقات من بطولته. كانت مغامرة فنية ابداعية تلفزيونية هندس لها بحرفية عالية عبد الرزاق الحمامي بمعية فريق تقني متحمس لكسب الرهان صورة وصوتا. (الحاج كلوف) جمعت ممثلي الفرقة التمثيلية للإذاعة التونسية: جميلة العرابي والزهرة فائزة وعبد السلام البش والحبيب بالحارث وعبد العزيز العرفاوي... وعزالدين بريكة.. وغيرهم كثير من الذين كتبوا صفحات مضيئة في مسيرة الابداع التمثيلي الاذاعي وجاءت سلسلة (الحاج كلوف) لتعزز تجربة التمثيل التلفزيوني بعد تجربة (أمي تراكي ناس ملاح) التي حققت نجاحا جماهيريا كبيرا مما دفع بمخرجها عبد الرزاق الحمامي الى تحويلها للسينما وكان ذلك سنة 1970 وهي ذات السنة التي تم فيها تقديم (الحاج كلوف) لأول مرة صوتا وصورة الى الجمهور التونسي.