جنوا من النخلة تمرها وأكلوه هنيئا، وأثخنو جراحها فتدفق منها «اللاقمي» وأشربوه لأهلها مريئا فثملوا وما رأى الدهر سكارى مثلهم. وعدوا فسبقتهم ظلالهم. ذبلت النخلة وجف جذعها وتشقق ولم يعد فيها للحمامة عش ولا هديل. ولم يبق في أحضانها ما يغري أي عصفور نادر لصيده كل ما فيها بقايا عش الحمامة المهجور يستوطنها قراد الطيور وبعض الحشرات المجنحة بعوضا وصراصير انتهى موسم جني النخلة ولم يعد في جذعها ما يسيل أو يتقاطر وطارت الحمامة وطارت معها «السكرة» وحضر الدائنون لخلاص ما تخلّد بالذمة ولم يجدوا إلا الذمّة ولا أهلها فحجزوا النخلة وكلفوا مؤتمنا منهم على سعفها حتى يصنعوا منه سجاجيد لأولئك الذين «يعرفون ربي» في العلن وقفافا لموسم شراء الذمم بما خفّ وزنه وقل حجمه بمكيال أفواه الجياع التي ألفت العيش على الخبز والماء حتى وإن كان الخبز مدعّما والماء بالفاتورة وهم مدركون للتمييز الإيجابي الذي ينتظرهم عدلا ومساواة وهو الحرية للحمامة والقفص الذهبي للعصفور النادر و«الزق» للشعب الثائر البطل الكريم وهو على «رأسه ريشة»