إذا اعتقد السياسيون اليوم، أنّ جولة الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة هي محطّة تحضر فيها المنافسة والمناكفة، وتخلو منها المحاسبة، «فيا خيبة المسعى». وإذا ذهب في تفكير هؤلاء السياسيين، أن الجولة القادمة من الانتخابات يمكن أن تمرّ دون أن «يجازي» أو «يعاقب» الطرف أو الأطراف المتخليّة، وأن الانتخابات ليست سوى حنفيّة يفتحونها لسكب الماء على أفعالهم وسياساتهم، فيتطهّرون، نقول: يا خيبة المسعى مرّتين. إذ بهكذا تفكير، تنسف الديمقراطية، ديمقراطية التّداول على السلطة وديمقراطية المحاسبة من خلال الصندوق الانتخابي، والبرامج النّابعة من المجتمع ومن الناس... اليوم، وعلى مسافة زمنية لاتتعدّى الأربعة أشهر، يحصل أننا نرصد الأحزاب الحاكمة والمعارضة، خاوية الوفاض من برامج نابعة من الناس.. نابعة من الشعب.. فهذه سلطة تمارس عملية إطفاء الحرائق، لا يُسمع لها صوت إلاّ متى حصلت أزمة، مثلها مثل المعارضة، وهذا أمر لافت.. لا أساس له لا مرتكز يُبرّده... وهذه أحزاب وتجمّعات حزبيّة، تتحدّث عن الوضع السياسي والوضع الاقتصادي لتونس 2019، وكأنّها تتحدّث وتعصّفُ أوضاعا تسودُ بُلدان أخرى وليس تونس... المشهد اليوم، في تونس والذي استمْرأ له المتمكّنون من السلطة وضعا معلّقا بين دولة القانون والمؤسّسات التي تسبق ويجُبُّ الدولة الديمقراطية كنظام، وبين دولة عدم الاستقرار والضبابية. تونس، اليوم، كشف لنا شبابها المتسابق بنسبة 70 ٪ من عدد الذين أقبلوا على التسجيل الطوعي (مليون و300 ألف مسجّل تقريبا..) كشف للجميع إذن، أنّه قرّر أن يأخذ زمام الأمور بيديه... إنّ التنافس الانتخابي، لا يعني البتّة، دخولا من المتنافسين إلى بيت استحمام، كلّ طرف يرفع عنه أدران السلطة التي تلبس بها لبُوسا.. ولا تغني أيضا تفصّيا من المسؤولية، بل يعني تنافسا بالأفكار ومقارعة بالحجّة والناخبُ وحْدهُ هو الحكم والفَيْصلُ.