شهدت مناطق عديدة وبينها مدن كبرى كالعاصمة وصفاقس (حوالي مليون ساكن) انقطاعا في مياه الشرب خلال أيام العيد. ازمة متجددة وتتفاقم سنة بعد أخرى دون ان تبدي السلطات أي قدرة على مجابهتها وتطويقها. تونس «الشروق» شحّت الحنفيات وغابت المياه عن الالاف من التونسيين في يوم العيد. مشهد لا يبدو بالعادي بتاتا إذ من المفترض ان تكون السلطات المسؤولة عن إدارة ملف المياه على علم مسبق بان فترة العيد هي فترة الذروة في الاستهلاك وهكذا يكون الاستعداد المسبق بوضع استراتيجية تدخل عاجلة فيها أكثر من سيناريو لتأمين التزويد ولكن لا يبدو ان السلطات كانت لها مثل هذه الاستراتيجية. احتجاجات لا يمكن تبرير قطع طريق باعتباره شكلا احتجاجيا يعطّل مصالح الناس ولا يؤثّر في ردود الأفعال الرسمية بقدر ما يفتح الطريق لتجريم المحتجين ولكن الكثير من عطشى العيد لجؤوا لقطع الطرقات في مناطق عديدة منها طريق بنزرت في البوابة الشمالية (الطريق السيارة) والطريق الرابط بين مدينة طبرقةوجندوبة احتجاجا على انقطاع مياه الشرب. ومن الاشكال الاحتجاجية المرصودة خلال فترة العيد وضع أكياس فيها فواضل إضْحَى العيد امام مقرات البلديات وامام مقرات شركة استغلال وتوزيع المياه (صوناد) في مناطق كثيرة الامر الذي جعل الشرطة البيئية في القيروان، على سبيل الذكرى، تتوجه باستدعاءات للمحتجين في ثالث أيام العيد (بتاريخ 14 اوت الجاري) بتهمة مخالفة تراتيب حفظ الصحة والنظافة العامة. احتجاجات اختلفت ردود الأفعال حولها من قبل الراي العام ففي الوقت الذي تعاطف معها الكثيرون خاصة بعد التصريحات المستفزة لمسؤولي شركة صوناد ومفادها ان الشركة استعدت جيدا لفترة الذروة في العيد وانها لم تقصّر في خدماتها ندّد بها آخرون باعتبار وان قطع الطرقات لم يعد شكلا احتجاجيا متحضّرا باعتباره يؤثر في مصلحة المواطن قبل ان يكون آلية ضغط فعّالة على الأطراف الرسمية. هذه الاحتجاجات لم تكن سابقة او فجئية بل إنّ الاحتجاجات المنددة بالعطش لم تتوقف يوما في تونس وهي مستمرة منذ سنوات وتتفاقم منذ صائفة 2016 وفقا لاحصاءات المرصد الوطني للمياه إذ تشهد الاحتجاجات ضد العطش ارتفاعا غير مسبوق للانقطاعات الفجئية للمياه بجهات مختلفة بلغت خلال سنتي 2016 و2017 حوالي 347 تحركا احتجاجيا أي بمعدل حوالي 29 تحركا ضد العطش شهريا. وكانت خارطة العطش في البداية تشمل ارياف القيروانوجندوبة وبعضا من مناطق تطاوين لتفوق مدة انقطاع مياه الشرب في منطقة بئر الثلاثين الشهرين علما وانه تم استرجاع مياه الشرب للمنطقة اثناء زيارة رسمية اداها وزير التربية آنذاك ناجي جلول وذلك من الساعة التاسعة صباحا الى الثانية بعد الزوال ثم عاد العطش مجددا الى المنطقة ما يعني عدم الجدية في توفير هذا المطلب الاستراتيجي لسكان المنطقة في مخالفة لما نصّ عليه الفصل 44 من دستور 2014 «الحق في الماء مضمون والمحافظة على الماء وترشيد استغلاله واجب على الدولة والمجتمع». خارطة العطش اتسعت خارطة العطش خلال الأربع سنوات الماضية وزادت حدتها لتشمل مناطق عديدة ومدنا كبرى وبلغ الامر خلال جوان 2016 حد انقطاع مياه الشرب في مستشفى القصرين ثم شمل مناطق كبرى كصفاقس خلال عطلة العيد المنقضية وكذلك أجزاء من العاصمة ومناطق في قفصةوالقيروان وغيرها من المدن. وفي المقابل لم تبد شركة صوناد الجديّة المطلوبة في توفير المعطى المقنع للعطشى فقول الرئيس المدير العام مصباح الهلالي بان الشركة لم تقصّر في عملها أيام العيد بل على العكس قامت بتوفير كميات مياه إضافية مقارنة بالسنة الماضية إضافة الى تخصيص عدد من العمال والاعوان لإصلاح الأعطاب». كما لم تقنع تصريحات الهلالي المتلقّين من جمهور العطشى في مختلف مناطق البلاد وهو يؤكد ان «موجة الحر تزامنت مع موسم الذروة في الاستهلاك يوم العيد الامر الذي مثل ضغطا كبيرا بلغ اقصاه يوم العيد» داعيا المواطنين الى «خفض الاستهلاك لتجاوز الازمة». واعتبر ان «تونس بلاد فقيرة مائيا ويجب ان ناخذ التغيرات المناخية بعين الاعتبار». وكانت تونس قد شهدت منذ سبتمبر 2018 تساقطات غزيرة وهامة في مختلف المناطق مما عزّز منسوب السدود وكان من المتوقع ان تختفي مظاهر انقطاع مياه الشرب خلال فترة الصائفة ولكن الازمة عادت لتطلّ براسها مجددا خلال العيد وباكثر حدة الامر الذي يطرح اكثر من سؤال حول استراتيجية تخزين المياه وحسن التصرّف في المخزون كي لا نصدّق أصوات تردّد القول بان مياه الامطار نصرفها الى البحر باعتبار تشبّع السدود بالاتربة والاوساخ وبالتالي انخفاض قدرتها على التخزين وعجز القائمين على التصرف في المياه في وضع استراتيجية بديلة تنهي هذه الازمة المسخرة خاصة وان انقطاع مياه الشرب حدث أيضا في المناطق ذات الثروة المائية على غرار جندوبة وان اجوار السدود عطشى. ويتوقع نشطاء في مجال المياه استمرارا وتفاقما في ازمة العطش مع استمرار ذات التعاطي غير المجدي مع استراتيجية توزيع وتخزين المياه. علاء مرزوقي (منسق المرصد التونسي للمياه) مقاضاة الدولة عند انقطاع مياه الشرب تونس «الشروق»: قال علاء مرزوقي منسق المرصد التونسي للمياه إنّ البلاد تشكو من سوء تصرف في الموارد المائية وعدم تحكم في مياه الامطار وتجميعها. كما قال ان مياه السدود ليست موجهة للشرب فحسب بل يتم استعمالها في الري الفلاحي وهي نقطة لا تريد سلطة الاشراف اثارتها كما توقع مرزوقي استمرارا في ازمة العطش موضحا ان السلطات لا تسعى لوضع حلول استراتيجية لازمة المياه في تونس بقدر ما هناك سعي للجوء الى الحلول السهلة والمتمثلة في تركيز محطات لتحلية المياه لتفادي ازمة الجفاف والعطش وهي مسالة مكلفة وسينجرّ عنها الترفيع في تسعيرة المتر المكعب من الماء بأضعاف الأسعار الحالية ولن تعود بالنفع على المواطن في ظل غياب الإرادة لمعالجة هذه الازمة. كما كشف مرزوقي ان المرصد بصدد الانتهاء من اعداد مشروع مجلة مياه لتقديمها مع نهاية شهر أكتوبر القادم الى البرلمان منددا بالانغلاق الذي تتعمده وزارة الفلاحة في اعداده لمشروع مجلة المياه الذي سيخلف مجلة 1975 إذ لم يتم تشريك المجتمع المدني في صياغتها ومناقشة مقترحاتها. وينص مشروع مجلة مرصد المياه وفقا لمرزوقي على علاقة الماء بمنوال التنمية وعلى تجريم تصدير الماء باشكال متعددة على غرار تصدير المنتجات الفلاحية المستنزفة للمياه وسيشمل البعد الاجتماعي من خلال التمييز الإيجابي بين الجهات وسن تعريفة خاصة ببعض الفئات الاجتماعية الى جانب إعادة النظر في الخارطة الفلاحية وتوزيع المنتوجات حسب خصوصية الجهات المائية. كما سيتضمن مشروع المجلة تنصيصا على ضبط التقسيم العقاري المائي وتحديد مسؤوليات الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع الماء في حال انقطاع الماء إضافة الى التنصيص على لا مركزية قرار التحكم في الماء وتنظيم المجامع المائية وضمان حق المواطنين في مقاضاة الدولة في حال حرمته حقه من الماء.