تحركت في الفترة الأخيرة أجهزة الدولة وفتحت ملفات فساد مختلفة شملت عديد المجالات في انتظار الكشف عن الحقائق وعن مآل تلك الملفات.. تحرّك دفع بالمتابعين إلى استحضار ما حصل في عهد حكومة يوسف الشاهد عندما وقع شن "حرب" مماثلة على الفساد وقيل آنذاك انها ستكون شاملة، دائمة وناجعة. لكن مع تقدم الوقت، اكتشف الرأي العام أن تلك الحرب لم تكن شاملة بل انتقائية، ولم تكن دائمة بل اقتصرت على فترة محدودة، ولم تكن ناجعة لأنها فشلت في وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة أو على الأقل في التقليص منها. اليوم، قالت الدولة إنها استأنفت هذه الحرب وتم الإعلان طيلة الفترة الماضية عن فتح ملفات من الوزن الثقيل على غرار ملف وكالة التبغ والوقيد وملف شركة السكك الحديدية وملف الأموال المنهوبة في الخارج وملف عقارات "أليكانتي" الاسبانية وغيرها.. وتكلم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير أملاك الدولة ووزير مكافحة الفساد بلهجة "صارمة" ومُهدّدة للفاسدين وفيها تلميح بأن الحرب لن تستثني أحدا وستتواصل لفترة طويلة وبأنه "لا أحد فوق رأسه ريشة"، على حد قول الياس الفخفاخ. كلام مُطمئن لكنه بدا غير مُقنِعِ للرأي العام الذي أصيب طيلة السنوات الماضية بالإحباط من وعود الحُكام والمسؤولين بمحاربة الفساد، ولم يعد يُصدّق بسهولة كل ما يقال عن وضع حد للفاسدين وعن استرجاع ما نُهب من المال العام. فما يريده المواطن هو الكشف عن كل الحقائق كاملة وعن أسماء الأشخاص المتورطين وعن الأرقام والمجالات التي حصل فيها الفساد فضلا عن الكشف بصفة متواصلة عن مسار القضايا أمام العدالة إلى حين صدور الاحكام النهائية. أما الاكتفاء بالقول بأنه وقع فتح ملف فساد في قطاع ما دون الكشف عن مآله النهائي فانه لا يُشفي الغليل ولا يدفع إلى تصديق ما يقوله المسؤولون ولا يردع الفاسدين. وأكثر من ذلك، فان الرأي العام يطالب بان تكون هذه الحرب على الفساد شاملة لا تستثني أحدا لاعتبارات سياسية او شخصية، ولا تخضع لضغوطات الأطراف السياسية النافذة، وأن تستهدف كل من يحاول توفير غطاء سياسي أو غيره للفاسدين أو يساعدهم على الإفلات من العقاب. كما يطالب بأن تستهدف هذه الحرب كل المجالات والقطاعات وكل المؤسسات العمومية والأجهزة الحكومية دون استثناء وبأن تُدقق في كل الصفقات العمومية وفي تضارب المصالح وعموما في كل ما يهم المال العام. وعلى صعيد آخر، يطالب الرأي العام بان تكون الحرب على الفساد مستمرة ودائمة وألّا تكون خاضعة للأهواء ولأمزجة المسؤولين أو للمناخ السياسي أو للتوازنات السياسية السائدة أو للإنتماء السياسي للمشرفين على أجهزة مكافحة الفساد، وذلك حتى لا تحوم حولها شبهات تصفية الحسابات او الانتقام. يوم حصول الحكومة على ثقة البرلمان رفع رئيسها الياس الفخفاخ شعار "حكومة الوضوح وإعادة الثقة". ويبدو ملف الحرب على الفساد أهم امتحان ليُثبت فيه الفخفاخ وفريقه الحكومي أنهم على العهد وإلا فقد هذا الشعار كل معانيه.. إذ لا وضوح للحكومة ولا ثقة للشعب فيها دون حرب "صادقة" على الفساد. فاضل الطياشي