يكفي أن يسمع التونسي كلمة «رمضان» حتّى يجوع.. المشكلة هي أن القفّة أكبر من حافظة النقود والمعدة أكبر من القفّة.. وللقفّة معنيان.. قفّة تحملها فتهتك أكتافك لأن فيها رزق أولادك وقفّة تحملها.. فتصبح لك أكتاف قوية تستعين بها على تجاوز من هو أحق منك لبلوغ أهدافك. يكفي أن يسمع التونسي كلمة «رمضان» حتى يجوع.. ويصبح المطبخ أجمل مكان في بيته.. أجمل من قاعة الجلوس.. أجمل حتى من غرفة النوم «من طلب العلا سهر الليالي» مثل جميل نطبّقه في شهر رمضان فحسب والحق أنّنا نطبّق نصفه الثاني.. المسلسلات تسلسل الناس أمام التلفزة وتتوالى وراء بعضها مثل عربات قطار البضائع.. أضف إليها الفضائيات المتعددة التي تمطر في رمضان حتى أن الأمر يختلط على من يحاول متابعتها كلها فإذا ب»أليخندرو» يطارد «نعيمة الجاني» وإذا ب»زهيرة بن عمّار» تتخاصم مع الباشا يحيى الفخراني على الفيلا في المعادي.. تخمة الأكل ثم تخمة الفرجة.. شهوات رمضان كثيرة وأولها عندما تطول الظهيرة ويطول الانتظار في يوم بلا أكل.. وفجأة ترى على الشاشة: حان الآن موعد الإفطار في هلسنكي.. صحّة ليهم.. ليتني كنت الآن في هلسنكي.. ليس من أجل السياحة.. ليس من أجل طلب العلم.. ليس من أجل الثروة.. فقط من أجل «شربة» ساخنة الآن وحالا.. في رمضان ينام النّاس أحيانا.. في المكاتب طبعا.. غمضة عين خير من ترقية.. غمضة عين مسروقة بعيدا عن عيون الرّقيب.. والرّقيب نفسه يغالبه النّعاس.. ولكنه يعوّل على وفاء «الصبّابة» والصبّابة كما تعلمون عيون لا تنام.. شهر رمضان شهر عبادة.. يرق قلب الصائم.. وعندها ينقض عليه المتسوّلون بالاحتراف فيدفع تكفيرا عن ذنوب لم يقترفها.. شهر رمضان هو شهر الشاشة الصغيرة والشيشة الكبيرة.. فالتونسي يتفرّج وهو «يبقبق».. طقوس غريبة تجعل الإنسان يسعد وهو يضع «كاوتشو» في فمه وأهم ما يصنعه فقاقيع في الماء.. بعض النسوة غرمن بالشيشة تماهيا أكثر مما هو تحرّرا.. لأن الحرية لا تقاس بالطّمباك ولا بالجيراك.. ثم ما فائدة إمرأة تسعل وكأن في صدرها بندير بارد أو أن يشبه صوتها صوت الرّاحل مختار حشيشة.. ومرّة أخرى عدنا إلى الحشيشة..