مهما كان لون الادارة الأمريكية المقبلة جمهورية كانت أم ديمقراطية سيكون العراق بلهيبه الذي لا ينطفئ كالشوكة في حلقها، لا هي قادرة على بلعها ولا على لفظها... وسواء ظل جورج بوش الابن في البيت الابيض أو وفد اليه الساكن الجديد (جون كيري) سيكون أمام الرئيس الجديد خياران ربما لا يجد آخر وسطا بينهما الا اذا اجتهد في المناورة وأمسك بحبل النجاة... وكلا الخيارين الاولين فيه من المرارة القليل او الكثير. والخيار الاول هو ببساطة البقاء في العراق مع ما يجره هذا البقاء لسنوات أخرى طويلة من كلفة باهظة من جهة الاعداد الكبيرة من القتلى والجرحى بين العسكريين وكذلك من جهة الانفاق الذي يقتضيه توطيد الاحتلال وتثبيت دعائمه ليس بدماء الامريكيين وانما بدماء العراقيين في المقام الاول... سعيا وراء نصر موهوم بات اليوم الى الهزيمة أقرب! والخيار الثاني المطروح أمام رئيس الادارة الأمريكية المقبلة هو ببساطة (ايضا) جمع المتاع والرحيل عن أرض العراق التي بات بالكاشف انها تحولت الى مستنقع حقيقي لم يُحسب له حساب وتحولت الى شرك يصعب على من وقع فيه ان يتخلص منه. ومن الواضح ان ليس بوسع الجمهوريين كما الديمقراطيين ان يلعبوا في أتون الحملة الانتخابية على وتر الانسحاب من العراق مع ما يعنيه اللعب على هذا الوتر من اقرار بالهزيمة في نظر المعسكرين... وهذا تحديدا ما يدفعهما الى التعاطي مع هذا الخيار بكثير من «المعاندة» و»المكابرة»... وفي خطاباته الاخيرة بدا جورج بوش الابن مصمما على ان يذهب باحتلال العراق واستعباد شعبه تحت مسمى «التحرير» و»الاعمار» الى مداه الاقصى... حتى لو تطلب هذا سحق مدن بأسرها كسامراء والفلوجة وغيرهما وتقتيل الآلاف من الأبرياء جريا وراء سراب النصر المزعوم الذي تبدد بسرعة في مواجهة مقاومة عراقية مصممة من جهتها على المضي في معركة التحرير الى نهايتها. وعلى الرغم من ان أعراض الفشل والهزيمة في العراق قد بدت واضحة جلية لا غبار عليها الا أن ادارة بوش بدت موقنة بأن الطريق الى البيت الابيض (مجددا) يمر فقط عبر الترويج للنصر الموهوم في العراق. لكن الادارة المقبلة سواء كانت جمهورية او ديمقراطية ستدرك ان عليها ان تتعامل بطريقة مختلفة تماما مع موضوع العراق لأن قوات الاحتلال فقدت زمام المبادرة على الميدان.. ولعل الخسائر الفادحة في الارواح والعتاد التي تتكبدها هذه القوات يوميا وتشكُّلُ نوع من «التمرد» داخل الجيش الامريكي وبين الرأي العام الامريكي ضد احتلال العراق، دليلان قويان على ان الاحتلال قد دخل على الارجح أولى مراحل الانهيار وهذا ما يفرض على الادارة الامريكية المقبلة ان تعيد حساباتها بسرعة لأنه لم تعد هناك خيارات كثيرة... ولم يعد هناك متسع من الوقت لتفادي الغرق نهائيا.