تونس الشروق : كيف ستكون قوة اختراع أحزاب المعارضة من خلال تفاصيل الحملة الانتخابية التي كادت تشرف على نهايتها؟ إن أية قوة اقتراع لأي حزب سياسي لابد ان تكون رهينة أسباب وعوامل كثيرة داخلية وخارجية تهم الحزب نفسه وهي قوة تتجلى خاصة أثناء الحملات الانتخابية لتؤكد مدى اشعاع الحزب وانتشار قواعده. واذا كانت الحقيقة في تونس تؤكد ان التجمع الدستوري الديمقراطي يملك أكبر قوة اقتراع ليتحول بذلك الى حزب الأغلبية في تونس مستمدا تلك القوة من عوامل كثيرة منها العامل التاريخي اضافة الى الانتشار الكبير لقواعده وهياكله وقوة برامجه التنظيمية والتعبوية... لكن كيف تتجلى قوة الاقتراع لدى أحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات التشريعية الحالية؟ يؤكد المتتبعون للشأن السياسي بأن قوة الاقتراع ستكون هي المحدد الوحيد لترتيب أحزاب المعارضة المشاركة في التشريعية، واذا نظرنا في هذه الاحزاب من حيث ترتيبها الحالي فإننا نلاحظ وجود وتدخل عوامل جديدة قد تقلب ذلك الترتيب. فحركة الديمقراطيين الاشتراكيين صاحبة الترتيب الاول على مستوى التمثيل البرلماني لأحزاب المعارضة قد مرت بظروف جعلت المتتبعين للشأن السياسي ولشأن أحزاب المعارضة خاصة يؤكدون انها فقدت قوة اقتراعها خاصة في السنوات الاخيرة بفعل أسباب وعوامل عديدة أهمها تلك العوامل الذاتية والداخلية... هذه الفرضية جعلت بعض المحللين يؤكدون ايضا بأن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين تعتمد في قوة الاقتراع لديها على اسمها فقط باعتبارها أقدم حركات المعارضة في تونس لها قوة اقتراع حقيقية أثناء مشاركتها في الانتخابات التشريعية في بداية الثمانينات بفعل ظروف سياسية واجتماعية كثيرة كانت تعرفها تونس في ذلك الحين لكنها ظروف انتفت الآن... وذلك «الاسم» هو الذي ساعد حركة الديمقراطيين على تواجد قائماتها في كل دوائر التشريعية. غير ان الحقيقة ان الحركة فقدت الكثير من أنصارها وقواعدها بفعل تلك الانقسامات والخلافات التي عصفت بها اضافة الى العنصر الجديد الذي عرفته مؤخرا بسبب ما عُرف ب»أزمة» رؤساء القائمات الانتخابية وهي الازمة التي جعلت الحركة تعرف استقالات جامعات وهياكل برمتها وتقبلتها القيادة ببرودة دم كبيرة... ولا شك ان هذه «الازمة» وما تكتسيه من استقالات جماعية خاصة على المستوى الجهوي والمحلي سيساهم مساهمة كبيرة في فقدان الحركة لقوة اقتراعها التي اكتسبتها في السنوات الماضية. اضافة الى ذلك فإن ما لاحظه المتتبعون للحملة الانتخابية من ظهور حملات مضادة في بعض الدوائر وهي دوائر هامة من مناضلي»ح. د. ش» ضد قائماتها الانتخابية حتى ان أغلبها لم يقدر على الدعوة الى عقد اجتماعات عامة في الدوائر. هل تتراجع؟ ولا تحجب عنّا هذه الاسباب والعوامل سببا رئيسيا تمثل خاصة في تعيين القيادة لرؤساء قائمات انتخابية في دوائر كبيرة وساخنة ليست لهم معرفة او صلة بها بالرغم من انها دوائر شكلت دائما قوة اقتراع حقيقية بفعل ارتفاع عدد الناخبين فيها وكثافة النشاطات والتحركات السياسية داخلها اضافة الى تقاليدها في التصويت والمشاركة في المواعيد الانتخابية. ان كل هذه العوامل اضافة الى عوامل داخلية اخرى ستجعل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين تفقد الكثير من قوة اقتراعها التي اكتسبتها في سنوات مضت كما فقدت الكثير في إطاراتها والتي صارت الآن تتحمل مناصب قيادية كبيرة في السلطة كما في الحزب الحاكم وعجزت بالتالي عن الاستقطاب. الشعبية لكن حال حزب الوحدة الشعبية يختلف تماما حسب الملاحظين عن حال حركة الديمقراطيين الاشتراكيين فقد بيّن حزب الوحدة الشعبية انه كان اكثر الاحزاب تنظيما واهتماما بالتفاصيل خلال الحملة الانتخابية ولم تقدر بعض المشاكل الداخلية التي عرفها قبل انطلاق الحملة من التأثير عليه. وهذا العامل جعل الكثير من الناخبين والمهتمين بالشأن السياسي يديرون اعناقهم نحو حزب الوحدة الشعبية فهو الحزب الذي استطاع اصدار صحيفة اسبوعيا بصفة متواصلة وتمكن من احداث ثلاث مواقع للانترنات اضافة الى انه الحزب المعارض الوحيد الذي تمكّن خلال الحملة الانتخابية من طبع برنامجه وتوزيعه في كتاب يضم 150 صفحة في حين لا يعرف الناخب شيئا عن بقية برامج احزاب المعارضة عدا التصريحات والبيانات الانتخابية التي ليس من السهل قراءتها. كما ان حزب الوحدة الشعبية استفاد من حملة مرشحه للانتخابات الرئاسية للتعريف بالحزب وبالبرامج والاتصال بالجهات والمواطنين وهي عوامل تؤكد ان حزب الوحدة الشعبية نجح في اكتساب قوة اقتراع حقيقية ستكون حتما مختلفة عن المناسبات الانتخابية السابقة اضافة الى ان الكثير من رؤساء قائماته الانتخابية اظهروا جدية في العمل والتحرّك تختلف عن رؤساء قائمات أخرى. ونجح حزب الوحدة الشعبية في تنظيم حملته الانتخابية ورسم خطوطها بدقة كبيرة وهو ما يؤكده حجم تكاليف الحملة التي قاربت ال 200 الف دينار. الوحدوي ورغم أن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ترشح في 23 دائرة فقط الا ان ذلك لا ينفي امتلاكه لقوة اقتراع تعتمد أساسا على اشعاع الكثير من وجوهه المترشحة في جهات كثيرة عرفت بنفسها ومقولاتها القومية وهي مقولات تستهوي شرائح كثيرة من الناخبين وتكمن نقطة قوة «الوحدوي» في تمكنه من تجاوز أزمة الأمانة العامة دون تصدّع في صفوف وهياكل الحزب كما ان الوحدوي لازال يستقطب العديد من الوجوه المعروفة في الساحة السياسية الوطنية. ويضاف الى ذلك أن «الوحدوي» قد يكون أكثر أحزاب المعارضة الذي نجح في استقطاب العديد من الوجوه النقابية للترشح ضمن قائماته بما يضمن له قاعدة محترمة من الأصوات باعتبار اشعاع النقابيين في جهاتهم. التحرري واذا كان التحرري قد فاجأ الكثير من الاوساط بترشحه في 23 دائرة الا أن قوة اقتراعه لا تبدو قوية باعتبار الاختلافات والصراعات والانقسامات التي تشقه ومعروضة الآن امام القضاء... كما أن التحرري رشح الكثير من الاعضاء في جهات غير جهاتهم الاصلية وهو ما يعني انه لا يملك قواعد في تلك الجهات وهو أيضا ما يمكن ان يضعف قوة اختراعه. وفي ظل هذه المعادلات التي تحكم أحزاب المعارضة نجحت حركة التجديد في الترشح في 21 دائرة لكن قوة اقتراعها قد لا تكون قوية مقارنة بأحزاب أخرى ذلك أن الكثير من قائماتها تشكلت بعد تحالف مع أطراف من خارج الحركة اضافة الى استقطابها لما يعرف ببعض الوجوه المستقلة. ان قوة اقتراع أي حزب هو رهينة ظروف داخلية تهم الحزب نفسه اضافة الى عوامل عديدة لكن بعض أحزاب المعارضة مدعوة الى مراجعة عملها وحسن التصرف في مواردها البشرية، بما يضمن لها امتلاك قوة اقتراع مؤثرة وكبيرة...