لليوم الثالث على التوالي، تتعطل "الحياة الرسمية" في البلاد بسبب تزامن عطلة 17 ديسمبر مع يوم الجمعة والتي كانت متبوعة بعطلة نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد. وبذلك تتواصل معاناة تونس من آفة إضاعة الوقت في زمن تتسابق فيه الدول لتحقيق الإنجازات الاقتصادية والتنموية المختلفة في أسرع وقت ممكن وتعمل فيه شعوبها بسرعة قصوى في مختلف المجالات بمعدل 7 أيام على 7 وعلى امتداد ساعات الليل والنهار.. ليست المرة الأولى التي يعيش فيها التونسيون عطلة مُطولة قد تمتد أحيانا على أربعة او خمسة أيام خاصة عندما تكون عطلة نهاية الأسبوع – السبت والأحد – مسبوقة او متبوعة بعيد وطني أو ديني.. وليست المرة الأولى التي تتعطل فيها مظاهر الحياة الرسمية والاقتصادية في البلاد ويضيع الوقت إما بسبب تحرك احتجاجي أو مظاهرة أو إضراب مفاجئ في قطاع حساس أو في جهة ما أو بسبب غلق طريق أو موقع إنتاج. وينضاف كل ذلك لظاهرة أخرى استفحلت بين التونسيين وهي "الهروب" من مواقع العمل قبل الموعد المحدّد أو مباشرة العمل بشكل متأخر وهو ما تكشفه حالة الاكتظاظ المروري الكبير على الطرقات خلال أوقات العمل. كما تنضاف لذلك أيضا ظاهرة خروج البعض من مواقع العمل بعد ظهر الجمعة دون عودة، أو قبل يوم أو يومين من عطلة أحد الأعياد الدينية لتمتد بذلك عطلة هؤلاء على مدى عدة أيام. كم من رجل أعمال أو ناشط اقتصادي أضاع فرصة إتمام صفقة عاجلة مع الخارج بسبب تواصل غلق المصالح الإدارية الرسمية على مدى 3 أيام أو أكثر.. وكم من مُصدّر أو مورّد تونسي يعجز عن مزاولة نشاطه مع شريك أجنبي بسبب عطلة مطوّلة أو تعطيل إداري.. وكم من مواطن أو تلميذ أو طالب لا يقدر على قضاء شأن عاجل منذ مساء الخميس أو الجمعة ويكون مطالبا بالانتظار إلى حين حلول يوم الإثنين أو ما بعده.. وما فاقم ظاهرة إضاعة الوقت في بلادنا هو أن تونس أصبحت من الدول القلائل التي "تنام باكرا" ولا تستفيد من النشاط الليلي في حين أن ليل عديد العواصم والمدن يكون شبيها بنهارها. فالحياة التجارية والخدماتية والأنشطة الثقافية والرياضية تتوقف في العاصمة وفي كل المدن الكبرى والصغرى منذ السابعة مساء تقريبا باستثناء بعض أماكن السهر "المغلقة"، وذلك لأسباب ذات علاقة بالوضع الأمني وبالمقدرة الشرائية المتدهورة وبغياب تقاليد العمل الليلي وأحيانا بسبب الظلام الدامس وغياب الإنارة العمومية في بعض المدن والأحياء. كما تفاقمت الظاهرة أيضا بسبب استفحال غياب ثقافة العمل لدى كثيرين. فما عاشته البلاد من تقلبات سياسية في السنوات الأخيرة شجّع على ثقافة التواكل والأنشطة الممنوعة التي تحقق الربح السريع وعلى ثقافة البحث عن التعويضات والمساعدات والامتيازات التي تقدمها الدولة.. وهو ما غيّب ثقافة الكدّ والاجتهاد والمبادرة الخاصة رغم ما يتوفر بالبلاد من إمكانات بشرية وثروات طبيعية مختلفة قادرة على خلق الثروة. تُواصل تونس إضاعة وقت ثمين وتكاد تعجز عن اللحاق بعديد الدول التي حققت في السنوات الأخيرة معجزات اقتصادية وتنموية وذلك بسبب غياب إرادة سياسية واضحة تراهن على العمل وعلى التسابق مع الزمن والتنافس من أجل مراكمة المنجزات الاقتصادية وخلق الثروة والقيمة المضافة. وهو ما على الدولة الانتباه اليه في أقرب وقت لتدارك ما فات عبر آليات وحلول مبتكرة تحث على التحلي أقصى ما يمكن بثقافة العمل وتمنع بصرامة كل أسباب إضاعة الوقت.. فاضل الطياشي