وقعت وزيرة الشؤون الثقافية الدكتورة حياة قطاط القرمازي وسفير جمهورية الصين الشعبية بتونس السيد جانع جيان موفى الاسبوع الماضي على برنامج اتفاقية تعاون وتبادل ثقافي بين البلدين تخص المجال الثقافي والابداعي والتراثي. ويحمل برنامج الاتفاقية الذي سيتم تنفيذه على مدى ثلاث سنوات ، حسب ما جاء في بلاغ وزارة الشؤون الثقافية ، عديد المشاريع الثقافية كإقامة المعارض التشكيلية والمهرجانات السينمائية وترجمة ونشر الاعمال الادبية والمنشورات وإقامة تعاون بين المؤسسات المسرحية والدرامية وتوسيع تبادل الخبرات في مجال الترميم وتنشيط استغلال وعرض المواقع الأثرية والتسويق للمنتجات الثقافية بين البلدين ... هذه الاتفاقية وبقدر ما هي مهمة في دعم الانتاج الثقافي والترويج له ومزيد تكثيف التعاون والتبادل الثقافي بين البلدين، فإن الجانب الاهم فيها هو في تأثيراتها في بقية المجالات الاخرى السياسية والاقتصادية لان التعاون والتبادل الثقافي بين الدول اليوم لم يعد يقتصر في تأثيراته على الجوانب الثقافية فحسب. إنّ أول ما يخطر على بال الكثيرين عند الحديث عن أوجه التعاون الرئيسة بين الدول هو الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، باعتبارها جوانب ينظر إليها على أنها تحمل أبعادًا استراتيجية وتأثيراً لا غنى عنه في العلاقات الدولية ، ولكن ومع ظهور مفهوم الدبلوماسية العامة والمفاهيم الأخرى المرتبطة به، مثل القوة الذكية، والقوة الناعمة التي تُعدُّ الثقافة عمودها الفقري، أصبح التعاون الثقافي بين الدول شأناً لا يقل أهمية لانه لا يقتصر في تأثيراته على الجوانب "الثقافية" وحدها، بل يمتد ليشمل التأثيرات الاجتماعية والسياحية والإعلامية والاقتصادية، والسياسية أيضاً . وعلى هذا الاساس يتوجب على الدبلوماسية التونسية اليوم تغيير منهجها التقليدي ومحاولة التركيز اكثر على الدبلوماسية الثقافية وخصوصا في هذا الظرف بالذات الذي ساءت فيه صورة البلاد السياسية والامنية والاقتصادية بحكم الازمات المتلاحقة التي تعاقبت عليها منذ 2011 . فالثقافة اليوم في نظر العديد من المختصين هي " دبلوماسية القرن الواحد والعشرين و" وزارة خارجية الشعوب " نظرًا لما تملكه من مقومات وأدوات متعددة ومُحببة للشعوب أكثر من الدبلوماسية التقليدية ذات الطابع الرسمي والمُقتصرة على تعيين سفير وإقامة سفارة وتواجد بعثة دبلوماسية وإنجاز أعمال وشؤون المواطنين أو المقيمين أو الزوار وغيرها. يقول عالم السياسة ورائد مفهوم القوّة الناعمة الأمريكي جوزيف ناي في كتابه الشهير " القوة الناعمة " أن " جاذبية الثقافة الأمريكية ساهمت في تحقيق الأهداف الكُبرى للسياسة الخارجية الأمريكية " واستشهد في ذات الكتاب بعدّة أمثلة جعلت الثقافة الأمريكية التي تم تسويقها عَالَمِيًّا تغزو العالم كقوة ناعمة مؤثرة. محسن عبد الرحمان