كان وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد متفائلا جدا حين خاطب جنوده في قاعدة عسكرية بتكريت في أحدث زيارة له إلى العراق، بقوله ان هؤلاء العسكريين سيدركون بعد عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة قيمة «العمل الذي يقومون به في هذا البلد». ولو كان رامسفيلد واقعيا وصادقا في كلامه لاعترف بأن الولاياتالمتحدة لن تجني بعد أن تمضي هذه السنون سوى الندم على ما اقترفته في حق أبنائها الذين يقتلون في العراق وفي حق أبناء هذا البلد الذين يقتلون بدورهم يوميا بلا ذنب يستحقون عليه مثل هذا المصير. ولعلّ مخاطبة الوزير الأمريكي وسواه من المسؤولين في إدارة الرئيس بوش الابن لجنودهم لا يعدو أن يكون «مكابرة» وتسكينا للألم في الوقت الذي يعلم فيه أركان هذه الادارة ان ورطتهم في العراق تكبر يوما بعد يوم. وبلغة الأرقام لا يمر يوم على الأمريكيين في العراق إلا ويقتل من جنودهم القليل أو الكثير، وأحدث الاحصاءات الأمريكية الرسمية تفيد بأن ما لا يقل عن 1300 جندي قتلوا منذ الغزو الذي تم في ربيع 2003 زيادة على حوالي 10 آلاف جريح معظمهم لم يتمكنوا من العودة إلى مسرح العمليات لأنهم أصبحوا من ذوي العاهات الدائمة أو أصيبوا بصدمات وأزمات نفسية مستعصية. والكلام الذي ورد على لسان وزير الدفاع الأمريكي وغيره من مسؤولي ادارة بوش هو عين المغالطة وليس إلا جزءا من حملة مستمرة من الخداع الموجه للرأي العام الأمريكي كما للرأي العام العالمي. ولاشك ان التقارير والدراسات التي تعدها معاهد الأبحاث المستقلة بما فيها المعاهد الأمريكية مثل التقرير الذي أشار إليه أول أمس الصحفي والكاتب المصري محمد حسنين هيكل في الحوار الذي أجرته معه قناة «الجزيرة» تدحض تماما تقييمات المسؤولين الأمريكيين الموغلة في التفاؤل إلى حد الخيال. فهذه التقارير التي تعاضدها تأكيدات خبراء أمريكيين ودوليين حول فشل القوات الأمريكية في السيطرة على الوضع في العراق في ظل تنامي المقاومة المسلحة وتحولها تدريجيا إلى قوة ضاربة تفقد المحتل توازنه وتدفعه إلى حافة الهزيمة، تبطل تماما مزاعم مسؤولي إدارة بوش بامكانية سحق ما ينعتونه ب»التمرد» في العراق. ومن الواضح ان رامسفيد وغيره من المسؤولين الحالمين بقطف ثمار احتلال العراق وتحويل البلد إلى مجرد «تابع وديع» يبالغون كثيرا في تفاؤلهم. ولا شك ان ما يحدث لقواتهم في العراق سيجبرهم على التفكير في التخلص من ورطتهم بدل اطلاق وعود كاذبة واغراء الأمريكيين بسراب النصر الوهمي.