نظمت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات امس بمقرها بالشرقية ندوة خصّصت للحديث عن مسيرة المناضل المعروف الدكتور الحبيب ثامر القصيرة زمنيا والثرية في محتواها بالمواقف النضاليّة. وقد استضافت الندوة التي نُظمت بمناسبة احياء ذكرى وفاة المناضل الحبيب ثامر الذي ولد بتونس عام 1909 وتوفي في حادث طائرة في ديسمبر 1949 عددا من المناضلين الذين عاصروه وكانت لهم علاقة مباشرة معه كما استضافت عددا من الباحثين والمؤرخين. أول الشاهدين والمتحدثين عن مسيرة ثامر هو السيد احمد بن صالح النقابي السابق المعروف والوزير الاول في عصر بورقيبة والذي يقول انه يقرّ بأن هناك شخصيتين قويتين ترأستا الحزب الحرّ الدستوري التونسي هما الحبيب ثامر والطيب المهيري. والسيد بن صالح عرف ثامر في المدرسة الصادقية وشهد معه فترة غلق هذه المدرسة كما عرفه كاتبا في جريدة افريقيا الفتاة التي كان يديرها المناضل جلولي فارس. وكانت تربط الرجلين علاقة ثقة وصداقة متينة وكانا يلتقيان احيانا عند المنصف باي. ويتذكر المتحدث كيف كلفه الحبيب ثامر عندما كان يقود الحزب بالانخراط في جمعية شباب محمد التي أسّسها الالمان ومراقبة ماذا يجري بداخلها ذلك أنه كان يعلم جيّدا ان هذه الجمعية تستغل الدين وانضمام الشبان التونسيين اليها لخدمة أغراض المانيا ومن الذين التحقوا بها الطيب السحباني ومحمد القصّاب وزين العابدين الحجري. ولم تتوقف علاقة ثامر ببن صالح حسب قوله عند هذا الحد بل انها تمتّنت اكثر عندما تم احداث اذاعة نهج المدرسة الاسرائيلية التي كانت تجمع الرجلين بالمذيع المعروف وقتها البشير نويرة شقيق الهادي نويرة وكان ثامر يترأس هذه الاذاعة. ويقرّ بن صالح انه تأثر كثيرا بشخصية الحبيب ثامر وفرحات حشاد أما بورقيبة فكانت تفصله عنه مسافة لانه كانت تسكنه مشاعر حب الذات والزعامة. ويضيف ان التكوين السياسي لثامر كان اعمق بكثير من التكوين السياسي لبورقيبة الذي يرى انه لم يكن لديه مشروع دولة في بداية الاستقلال ولذلك كان بن صالح ضد فكرة ان يتولى بورقيبة الحكم بل كان يفضل ان يتولى بورقيبة رئاسة البرلمان ومراقبة الخطوات الاولى لتأسيس الدولة التونسية على أن يتولى اي شخص اخر في الحزب (الباهي لدغم) تشكيل الحكومة ثم ان تولي بورقيبة رئاسة البرلمان لم يكن ليقلل من شأنه باعتبار ان البرلمان التونسي كان وقتها قويّا جدا ويعكس تعددية حقيقية حيث كان يضم نوابا عن كافة المنظمات الوطنية وكل الحساسيات. وتحدث السيد بن صالح عن مبادرة تهريب المنصف باي وكيف كان ثامر يرفض هذه المبادرة ويرغب في عودة المنصف باي الى تونس وتشكيل حكم ملكي دستوري وحكومة، كما كان يرفض في الوقت نفسه عودة بورقيبة الى تونس عندما سافر الى الخارج حيث كان يتوقع أنه سيدخل في سياسة تهادنية وتفاوضية مع فرنسا في حين كان ثامر يفضل أسلوب الكفاح المسلح. نزعة الكفاح المسلح هذه النزعة للمناضل الحبيب ثامر يؤكدها السيد محمد بن عمارة الناشط والمناضل السابق في الحزب الدستوري التونسي والذي يقول ان معرفته بثامر تعود الى سنتي 1938 و1939 اللتين شهدتا أحداثا دامية ثار فيها الشعب التونسي وتظاهر بقيادة ثامر ضد المستعمر الفرنسي. ويمضي المتحدث في شهادته قائلا إن ثامر اختاره مع أحد رفاقه ليتدرّبا على استعمال القنابل والسلاح ثم تدريب المناضلين. السيد أبو القاسم محمد كرّو المناضل والكاتب المعروف زاد من جانبه في تأكيد هذه النزعة حيث أفاد أن الحبيب ثامر أرسله صحبة يوسف العبيدي والهادي بن عمر الى العراق ليتدربوا على حمل السلاح وحذرهم في المقابل من إخبار بورقيبة بهذا الأمر لأنه سيرفضه باعتباره لا يفضل الكفاح المسلح بل يرى أن الاستقلال لا يمكن أن يتحقق إلا بكثير من العمل السياسي وقليل من الكفاح والعمل المسلح. خلاف بين شخصيتين وتطرق السيد خالد عبيد الأستاذ الجامعي والمؤرخ الى مسألة الخلاف الثامري البورقيبي، فقال ان الخلاف بين الزعيمين قد تجسّم وتوضح في القاهرة حيث كان ثامر متحمّسا كثيرا الى التوجه المغاربي والعروبي بدليل إحداث مكتب المغرب العربي بالقاهرة في حين كان بورقيبة أقل تحمسا لهذا التوجه والنفس وإن الاختلاف في هذه النقطة واحتكاك الرجلين في القاهرة زاد من حدّة الخلاف بينهما وهو ما دعا ثامر الى الدعوة لعقد مؤتمر سنة 1947، وكان بورقيبة وقتها في أمريكا وعقد المؤتمر لاعتقاد ثامر بأن حضور بورقيبة سيفسد كل شيء ليس لعدم ايمان بورقيبة بالبعد والنفس العروبي المغاربي ولكن بسبب نزعة حب الذات والزعامة التي كانت تسيطر على بورقيبة. واختتم المتحدث بالقول إن خلاف ثامر وبورقيبة مرده اختلاف في شخصية الرجلين بالأساس فثامر كان يعتبر الحبيب بورقيبة المرجع الأوحد والأعلى والزعيم الروحي ورسائله الى بورقيبة تؤكد ذلك.