تونس (الشروق) في لقاء مع «الشروق» لشرح أبعاد الرهانات والتحديات الاقتصادية المطروحة على المنطقة، تحدثت إلينا الدكتور عزّام محجوب الأستاذ بالجامعات التونسية والخبير الدولي المعروف، في جملة من القضايا منها أبعاد المبادرة الأوروبية حول «الجوار الجديد» والدور المنتظر لقمة تونس في بلورة هذا الجوار كما تحدث عن الآفاق التي تفتحها قمة تونس في تحسين ظروف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. الدكتور عزام محجوب، تحدّث أيضا عن الشراكة الأمريكية المقترحة.. والدكتور عزام محجوب، يدرّس الاقتصاد السياسي، وهو خبير لدى برنامج الأممالمتحدة للتنمية. وفي برنامج الأممالمتحدة للبيئة، في اطار المتوسط، يهتمّ بقضايا التنمية المستديمة في اطارها الاقليمي والدولي، وقد كان ضمن الذين وضعوا التقرير الاول حول التنمية البشرية في المنطقة العربية، في اطار برنامج الأممالمتحدة للتنمية، وقد كان نائب رئيس الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، وهو أيضا عضو الشبكة الأورو متوسطية للأمن والتعاون (أورومسكو)، وهو الى ذلك صاحب مؤلفات وبحوث عديدة بمجالات التنمية المستديمة، في أبعادها البشرية والبيئية. * تنعقد ببلادنا هذا الأسبوع قمة خمسة زائد خمسة، وهذه القمة تأتي في ظروف دقيقة، على المستوى الاقليمي والدولي فهناك اقتراح أوروبي بصياغة «جوار جديد» وهناك اهتمام أمريكي صارخ بالمنطقة، تجسده زيارة باول، وهناك مخاوف لدى دول جنوب المتوسط إزاء توسّع الاتحاد الأوروبي بما من شأنه أن يفرز قواعد جديدة للعبة العلاقات التجارية في كل المنطقة، ممّا ينذر بتأثيرات سلبية على اقتصاديات المنطقة، وربما يزيد من حدة الشعور في المنطقة بضرورة تحسين ظروف الشراكة.. فكيف تنظرون الى كل هذه الاشكاليات في منظار استراتيجي شامل، يتعامل مع منطقتنا، بصفة شاملة وكلية؟ لا بدّ من وضع كل هذه الاشكاليات في اطار قراءة للوضع الاستراتيجي للمنطقة المتوسطية ككل. هناك بعض العناصر التي لابد من التركيز عليها. المنطقة المتوسطية تنفرد بحدّة النزاعات والصراعات ونسبة التسلّح وبالتالي فإن قضية الأمن والاستقرار هي القضية الأم في المنطقة : الصراع الفلسطيني الاسرائيلي (الانتفاضة الثانية) والعربي الاسرائيلي عموما، إضافة الى الحرب على العراق الآن.. هناك أيضا قضية الصحراء الغربية، وهي عائق كبير جدا، والأوضاع الداخلية في الجزائر وفي السودان، على الرغم من بعض بوادر الانفراج والتحسن النسبي.. ليبيا، كانت الى وقت قريب جدا محاصرة، وبالتالي فإنها تعيش صعوبات داخلية.. إذن النزاعات وعدم الاستقرار هي الظاهرة الأولى التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار، اضافة الى القضية الأم وهي قضية فلسطين، وكلها حالات تفرز عدم الاستقرار وانعدام الأمن، وكل ذلك يكون له التأثير الاقتصادي بطبيعة الأمر، لأن تدفق الاستثمارات تفترض الاستقرار، ومنطقتنا تفتقد هذه الحركية في تدفق رؤوس الأموال. العنصر الثاني أريد أن أشير إليه، وأنطلق في ذلك من الحركية السياسية التي تشهدها بداية هذا الشهر، وهي حركية عميقة، ففي نابولي اجتماعات أورومتوسطية، وفي تونس لقاء قمة خمسة زائد خمسة، وبين الاثنين، زيارة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول. من كل ذلك أقول أن منطقتنا، ولأسباب عديدة من ضمنها موقعها الاستراتيجي، هي محلّ تنافس شديد جدا بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. وهذا التنافس هو في نفس الوقت صراع وتعاون فبعد أحداث سبتمبر، والانتفاضة الثانية، والحرب على العراق، تبيّن أن الولاياتالمتحدة هي في وضع باتت تعمل خلاله على دعم هيمنتها ونفوذها، بصفة كلية، ذلك ان هذه الهيمنة، ترتبط في الاستراتيجية الأمريكية، بأمنها الداخلي. وبالتالي هناك مدّ، على المستوى السياسي والعسكري، بل كذلك في المجال الاقتصادي والتجاري، اضافة الى التركيز على المنطقة سواء الشرق الأوسط وكذلك شمال افريقيا، وهي تحتل في المفهوم الأمريكي للأمن القومي، مركز الصدارة، وبالتالي مفهومه للاستقرار في العالم. وفي هذا المجال، وبعد الحرب على العراق، عرضت الولاياتالمتحدةالأمريكية في ماي الماضي مبادرتها للشراكة في الشرق الأوسط، بما في ذلك شمال افريقيا، والتي تقوم على هدف أساسي وهو بناء منطقة للتبادل الحر بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وبلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وكما هو معلوم، فإنه من ناحية تنظيمية لهذه الشراكة، فإن تونس هي مقر المكتب الأمريكي لهذه الشراكة. وللولايات المتحدةالأمريكية، علاقات تجارية وطيدة جدا، على مستوى مناطق التبادل الحر، مع اسرائيل بطبيعةالحال، والأردن وهي ستوقّع على اتفاقية مماثلة مع المغرب قبل نهاية السنة، كما تتفاوض مع مصر حول نفس الأمر.. إذن هذا التوجّه لا يهمّ الشرق الأوسط فقط، بل ان الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي اطار توجهها الأحادي، تحاول أن تتملّص من الاتفاقيات متعددة الأطراف، وتتجه الى عقد الاتفاقيات الثنائية.. وهو توجّه سيتأكد الآن أكثر فأكثر، خاصة بعد فشل ملتقى «كانكون»، الذي عبّرت فيه دول الجنوب عن إرادتها لتغيير موازين القوة، وبالتالي إذا تتبعنا السياسات الأمريكية الحالية، فإننا سنلاحظ ذلك التوجه القوي لبناء مناطق تبادل حر ثنائية، مع بلدان أمريكا الجنوبية، اضافة الى منطقة للتبادل الحرّ، تعم كل البلدان الأمريكية، وإن كانت لبعض الدول الأمريكيةالجنوبية تحفظات إزاء هذا الأمر.. وكذلك الأمر إزاء البلدان الآسيوية. * وهذا التوجه هل يرتبط فقط بسياسة الادارة الأمريكية الحالية ؟ التوجه بدأ قبل هذه الادارة، ولكن هذه الادارة دعمته أكثر فأكثر ووضعت له المخططات والاستراتيجيات.. إذن الطرف الأمريكي يتابع مبادرة مركّزة على المنطقة، وهي طويلة المدى، وفي اطارها هذه الشراكة والتبادل الحرّ، والتي ترتبط، فرضا أو طوعا، بضرورة القيام بإصلاحات سياسية ومؤسساتية، يرى الأمريكيون أنها تتماشى والمنظومة ككل.. في نفس الوقت، انطلق الاتحاد الأوروبي ومنذ أشهر فقط، في تصوّر جديد لعلاقته مع بلدان شرق وجنوب المتوسط. وقد تحدث رومانو برودي في زيارته لتونس بإيجاز عن هذا التصور الجديد.. وأعتقد أن هذه المبادرة ستطرح في اجتماعات نابولي وخلال قمة خمسة زائد خمسة. هي مبادرة أوروبية جديدة في طور البلورة، وسوف تطرح في شكل عرض جديد من قبل الاتحاد الأوروبي، وإن بدت بعض البلدان الأوروبية، أكثر حماسا من أخرى في متابعة هذه المبادرة، وخاصة فرنسا. وهذه المبادرة، باختصار تنطلق من اعتبارات سياسية وجيواستراتيجية فأوروبا ستتسع من 15 الى 25، حتى ماي القادم، أي أن مساحة الجغرافيا ستمتدّ باتجاه الشرق، وبالتالي سيصبح لها جيران هناك، روسيا وأوكرانيا ومولدافيا وبللوروسيا، هي إذن الدول التي ستكون في جوار الاتحاد الأوروبي. والتصور الآن هو أنه نظرا للتنافس بين الأقطاب في العالم، فإن أوروبا كقطب من ضمن هذه الأقطاب، ستحاول تدعيم أمنها، خاصة تجاه الولاياتالمتحدة، محاولة أن يكون قطبا اذ وزن، لا فقط على المستوى الجيواستراتيجي، وهذا التصوّر، هو الاطار من أجل جوار جديد والتي ستضم لا فقط دول جنوب المتوسط في الشرق والغرب، ولكن أيضا روسيا وأوكرانيا وملدوفيا وبللوروسيا، وهذا المدّ ستكون له أبعاد جيو استرايتيجة، من ناحية، ثم انه وبما أن الأوروبيين، يعتقدون أن أمن واستقرار ورخاء الاتحاد الأوروبي، يمرّ الى حد ما بالاستقرار والأمن والرخاء النسبي للجيران، في الشرق والجنوب والغرب. وهنا لا بدّ أن نأخذ بعين الاعتبار في هذه المبادرة، المسعى لتحريك مسار الشراكة، بهدف إيجاد حركية للتعامل والتضامن بين هذه البلدان. إذن أعتقد أنه ينبغي النظر الى أحداث ديسمبر، في اطار الصراع بين القطبين، وكل طرف له مشروع. المشروع الأمريكي، وهو يتبلور يوما بعد يوم، والمشروع الأوروبي الجديد وهو في طريق البلورة والطرح، وبالتالي أعتقد أنه لا بد أن يكون لبلداننا مواقف تأخذ في الاعتبار كل هذه الأبعاد الاستراتيجية وليس الأبعاد الآنية، أو القطرية فقط. وإذا أردنا أن ننظر أيضا بصفة شاملة لكل هذه الأوضاع، لا بدّ أن نأخذ في الاعتبار، مسألة النزاعات، وكذلك تراجع التعاون بين بلداننا، وهي مسألة هامة جدا، ولا ينبغي اهمالها، إذ أنه من أسباب فشل الشراكة، هو هذا التراجع في التعاون والاندماج والتضامن بين بلادننا، سواء المغاربية، أو العربية عموما. وخلال العشر سنوات الأخيرة تراجعت نسب التعامل والاندماج، ففي مجال التجارة، لم تتجاوز النسب 5 أو 6 بالمائة وربما تراجعت أي أن هذه النسب استقرّت في أحسن الحالات، إن لم تتراجع. وهذا على مستوى المؤشرات، بصرف النظر عن الأمور السياسية الأخرى، مثل حركة تنقل البشر.. مؤخرا جاءت مبادرة أغادير، وتهمّ مصر وتونس والمغرب والأردن، وأعتقد أنها بادرة طيبة، لبناء منطقة للتبادل الحرّ بين هذه البلدان الأربعة.. ولكن عموما هذه لاظاهرة، أي تشتّت الأطراف العربية هي خطيرة جدا، فكل مستثمر، لا بدّ أن يبحث مسألة السوق (التشريعات المختلفة، الصعوبة في التنقل..) قبل أن يُقدم على الاستثمار. هناك أيضا تراجع، على مستوى الاصلاحات المؤسساتية عموما، ولو بتفاوت، وهذا الأمر يمكن أن يشكل عائقا أمام مسار الشراكة. وهذا الأمر يستغلّ من الخارج، ولكن علينا أن نعترف به كعنصر هام يمسّ المنطقة ككل، وهذا الأمر ينذر بظواهر التطرّف المختلفة. إذن في نصف القرن الماضي، لم تتمكّن منطقتنا من تحقيق نمو اقتصادي هام، (وإن كان هناك تفاوت بين بلداننا).. وبالتالي فإن الهوة بين بلداننا والاتحاد الأوروبي، قد استقرّت في أحسن الحالات، وفي أغلب الحالات قد اتّسعت، فضعف نسق النمو الاقتصادي، واستقرار أو اتساع الهوّة بين الضفتين، تجعل بلداننا أمام تحديات عديدة، ومنها مثلا أنه أمام منطقة جنوب المتوسط ككل، أن تخلق خلال العشر سنوات المقبلة، حوالي 45 مليون موطن شغل.. وقد شاركت في مجموعة من البحوث الدولية حول هذا الأمر، وتحقيق هذا الهدف يفترض أن ترتفع نسبة النمو من 3 أو 4 بالمائة الى 6 أو 7 بالمائة، حتى تتمكن هذه الدول من تغطية متطلبات سوق الشغل ومن الدخول في مسار الحدّ من الهوة بين الشمال والجنوب. وهذا الأمر يتطلب جهدا داخليا قويا من ناحية الادخار والاستثمار وتحسين نجاعة الاستثمارات، كما تتطلب توفير تدفقات مالية هامة للتمكن من كسب الرهان في هذا المجال الحيوي. إذن، ضعف المردود الاقتصادي ينتج كذلك مشاكل والعكس أيضا. * لماذا يتمّ حسب رأيكم التمسّك بمسار برشلونة في وقت ثبتت، صعوبة السير فيه، بسبب المشاكل السياسية المرتبطة أساسا بالوضع في الشرق الأوسط ؟ الكل يتفق أن هناك بطءا وفشلا في مسار برشلونة، ولكن لماذا؟ دول جنوب وشرق المتوسط، لا ترتبط، جميعها مع الاتحاد الأوروبي باتفاقات شراكة، تونس والمغرب والأردن، ترتبط باتفاقات.. بطبيعة الحال اسرائيل لديها اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، الجزائر، مازال الاتفاق في مراحله الأولى، أما في مصر فالمصادقة لم تتم بعد، لبنان وسوريا، قريبا ليبيا، لم تطرح مسألة الاتفاق بعد، وهي تواكب مسار برشلونة كملاحظ. تونس بدأت تنفيذ الاتفاق قبل المصادقة عليه سنة 1996، ولكل هذه الأسباب، أعتقد أن أفق 2010، أي ارساء المنطقة المتوسطية للتبادل الحر، هو موعد غير واقعي، لعدة أسباب من أهمها أن الدعم المالي ليس في المستوى المرتقب الذي يمكّن من تفعيل الاصلاحات الاقتصادية. ثم إن نسق الاصلاحات الاقتصادية والمؤسساتية، لا يزال صعبا وضعيفا (الاصلاحات في الجباية مثلا).. لذلك إذن نعتبر ان مسار برشلونة لا يتقدّم، إذا ما أردنا تقييم هذا المسار، خاصة إذا أضفنا الى كل ذلك الصعوبات السياسية في الشرق الأوسط، والتي يعتمدها البعض مبرّرا للتهاون وعدم الالتزام بمتطلبات هذا المسار، بدعوى أن أوروبا لا تقوم بما تفترضه مكانتها إزاء ما يحدث في الشرق الأوسط.. ولكن السبب الموضوعي، لهذا الفشل لا يرجع فقط للجانب السياسي وخاصة الوضع في الشرق الأوسط، ولكن يعود أيضا الى عناصر سياسية أخرى، منها وتيرة الخلافات بين البلدان، وتراجع التضامن بينها، وصعوبة الاصلاحات الاقتصادية والمؤسساتية داخل هذه البلدان، أعتقد إذن أنه ينبغي وضع كل هذه العناصر في الاعتبار، حتى الوصول الى تقييم موضوعي لهذا المسار. وبطبيعة الحال لو أمكن الوصول الى حل مرض في الشرق الأوسط فإن ذلك سينعكس إيجابا على مردود المسار ككل. ولكن هناك إشكالات عديدة هنا وهناك، مثل قضية الصحراء، والأمن والاستقرار في الجزائر، وتقدم الاصلاحات الاقتصادية والسياسية والمؤسساتية، وكل هذه الاشكالات هي مؤثرة بقدر هام. تحدّثتم قبل قليل عن التنافس بين الاتحاد الأوروبي والأمريكيين على المنطقة، وعلى الميدان هناك واقع آخر أهم عناصره، ارتفاع حجم التبادل بين دول المنطقة والاتحاد الأوروبي والذي يتجاوز في بعض الأحيان 75 بالمائة وهو تعامل قديم جدا، ثم إن رجل الشارع، في المنطقة عموما، يعتقد وخاصة بسبب ما يحدث في فلسطين والعراق، ان القرب من الأمريكيين، نار، وبالتالي ألا تعتقدون أن المنطقة تميل أكثر للتعامل مع الاتحاد الأوروبي؟ عنصر القرب الجغرافي، هو عنصر محدّد في أي شراكة، إذن جغرافيا وتاريخيا فإن التعامل مع الجار، هو الأقرب، ولكني أريد أن ألفت الانتباه الى أن دول المشرق العربي، ودول المغرب العربي ليست في نفس الوضع إزاء العلاقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي، دول المغرب العربي، وبتفاوت، تتوجّه بتجارتها الخارجية ما بين 50 و75 بالمائة، نحو الاتحاد الأوروبي،وهو الشريك الأول. ولكن في مصر وفي الأردن مثلا، فإن موقع الاتحاد الأوروبي ليس بنفس الثقل وفي المقابل فإن الترابط المالي والتجاري بين الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومصر أو الأردن مثلا هو ترابط وثيق جدا فهي الشريك التجاري الأول لهما. وبطبيعة الحال الولاياتالمتحدةالأمريكية تركّز في علاقاتها مع اسرائيل، ثم مصر ثم تركيا، وإلى حدّ ما الجزائر بعد ذلك. وتتلقّى مصر والأردن مساعدات مالية، بنسبة 40 بالمائة من المساعدات العسكرية الأمريكية الموجهة الى منطقتنا (المنطقة تحظى بنسبة 25 بالمائة من المساعدات المدنية الأمريكية). ووقع هذه المساعدات هام جدا، ولا يمكن أن تقارن مثلا بعلاقات تونس أو المغرب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولا بد أن نلاحظ أن موقع الولاياتالمتحدة التجاري، في منطقتنا ضعيف، ولكنه ليس هامشيا. الميزان التجاري بين الولاياتالمتحدة والمنطقة، وهو ميزان مختل لغير صالح الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكذلك فإن السياسة الامريكيةالجديدة في المنطقة (إرساء منطقة التبادل الحر) ترمي الى المرور من حالة العجز التجاري هذه، الى المعادلة، ثم الى تحقيق الفائض، وكذلك ايجاد المعادلة بين المساعدات المالية والعسكرية، والمردود التجاري كفائض. * وهل يمكن أن تنجح الولاياتالمتحدةالأمريكية في تحقيق هذا الهدف، وتغيير ملامح المعادلات التجارية في المنطقة؟ هذا ما سنتابعه الآن، والمسألة هامة جدا، إذ أن ما نراه في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي معاكس تماما للوضع مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. فالاتحاد الأوروبي، يحقق على حساب دول المنطقة فائضا تجاريا لا يستهان به، وهو فائض يمكّن الاتحاد الأوروبي من تخفيض عجزه إزاء مناطق أخرى في العالم مثل آسيا. فإذا ما نظرنا الى الصادرات الأوروبية، الى دول خارج الاتحاد، فإن نصيب الدول المتوسطية لا يمثل سوى 8 بالمائة. وقد تبدو النسبة ضئيلة، ولكنها تمكّن الاتحاد الأوروبي من تحقيق فائض، يعالج به عجزه التجاري ازاء مجموعات أخرى. هذا الفائض، الذي يتحقق على حساب دولنا، لا يقابله تدفقات مالية استثمارية، حيث لا تمثل مجموعة الاستثمارات الأوروبية في دولنا، أكثر من 2 بالمائة من قيمة الاستثمارات الأوروبية الخارجية. وأعتقد أنه ينبغي التفكير في معالجة هذا الوضع، واعتبار ذلك هدفا استراتيجيا في علاقتنا الاقتصادية، مع الاتحاد الأوروبي. كما أعتقد أنه ينبغي التمسّك بمبادرة الجوار الجديد التي يقترحها الاتحاد الأوروبي، فإذا كان هناك توجه للحد من انعدام التكافؤ، ولرسم أهداف استراتيجية تتعلق بالرفع من نسق النمو في دولنا وذلك بهدف استراتيجي، هو التقليص من الهوة بين دولنا والاتحاد الأوروبي باعتبار ذلك أفقا لهذا الجوار الجديد وهذا الأمر يفترض التزامات على الطرفين. لذلك اعتقد أن مبادرة الجوار الجديد ستشكّل منعرجا في العلاقات. والتوجّه هو إعطاء اشارات لشركاء الاتحاد الأوروبي، بإمكانية تطويرالعلاقات وكما قال رومانو برودي، أن التمتّع بكل المكاسب، باستثناء الانضمام الى مؤسسات الاتحاد، أو أن تصبح العلاقة، أكثر من الشراكة، ودون الاندماج الكلّي، وهنا تفتح الآفاق، وخاصة على مستوى «المكاسب الاتحادية» التي تتجاوز بكثير ما توفّره الشراكة الحالية، وتنفتح على المفاوضة، اضافة الى توفير آلية جديدة للتمويل. وبالمقابل هناك معايير وأهداف تضبط هذه العلاقة التعاقدية، أي أنه بقدر التقدم في تحقيق الاصلاحات الاقتصادية والمؤسساتية، بقدر ما تكون الاستفادة في مجال الدعم المالي، والمكاسب الاتحادية، ومثل هذا الوضع، سيجعل تفاوتا وتنوعا بين البلدان على خلفية حجم التقدم في طريق الاصلاحات. وفي نفس السياق، ومن منظور اقتصادي، هل يمكن لدول المنطقة المغاربية أن تفتح المجال أيضا أمام المبادرة الأمريكية بغرض الاستفادة منها؟ نظرا للجوار الجغرافي، علاقاتنا ترتبط أكثر بالاتحاد الأوروبي، خاصة بالنظر الى الشعور السائد الآن بالصدمة بسبب ما حدث ويحدث في العراق، وكذلك التحفظات إزاء سياسة التيار المحافظ الأمريكية الحالية. أما إذا توخينا نظرة بعيدة المدى، على أمل أن تستفيد السياسات الامريكية من دروس ما حدث ويحدث حاليا، باتجاه تغيير تصوراتها الأحادية للعلاقات الدولية، فإنه ليس من مصلحتنا أن نصدّ المبادرة الأمريكية، ومصلحتناهي كيف يمكّن أن نوفّق بين الاندماج القوي مع الاتحاد الأوروبي، باعتبار أن نسبة هامة من علاقاتنا التجارية والاقتصادية ترتبط به، وفي نفس الوقت نستغل أي مجال للتعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، في اطار مرض ومناسب. وفي حقيقة الأمر، فإن الحدّ الأدنى من التنسيق بين بلداننا في اطار رؤية استراتيجية وشمولية واضحة، هو الشرط الأساسي الذي كان سيجعلنا نتوجّه للتعامل مع أي عملاق في العالم. أعتقد أنه على النخب في بلداننا أن تعمل على بلورة هذه الرؤية الاستراتيجية والشمولية. * ما هي الافاق التي تفتحها قمة خمسة زائد خمسة إذن، أمام المنطقة، من وجهة نظركم؟ أعتقد أن قمة خمسة زائد خمسة ستكون فرصة أولى لبلورة، الطرح الأوروبي حول «الجوار الجديد» في تفاعله مع الجوار على مستوى الجنوب الغربي للمتوسط وستكون فرصة تقدم فيها بلداننا مواقف ورؤى تعكس مصالحها، بما يجعل هذا الاقتراح عرضا يتم التفاوض بشأنه، وليس عرضا يُقبل أو يرفض هكذا. فلأول مرة يتحدث الأوروبيون عن أربع حريات، هي حرية تنقل البضائع والخدمات ورؤوس الأموال والبشر. كما أنه سيكون بالامكان المساهمة في وضع المقاييس والمرجعيات في هذا «الجوار الجديد».. أو التفاوض حول آفاق المكاسب الاتحادية المطروحة. إذن أعتقد أنها فرصة هامة لبلداننا لبلورة مشروع «الجوار الجديد» كما أعتقد أن النخب مدعوة للمساهمة في هذه البلورة، مع الأخذ في الاعتبار الاستفادة من العروض الأمريكية. ومن ناحية أخرى أعتقد أيضا أن من مصلحة الدول الأوروبية الجنوبية (وفي إطار توسّع الاتحاد الأوروبي وتحوّل مركز الثقل الأوروبي نحو الشرق)، أن تدعّم علاقاتها أيضا مع دول جنوب المتوسط ومن شأن هذه العلاقة، أن تعدّل الكفّة داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. أعتقد أيضا أن هذه القمّة قد تمكّن من الخروج بمواقف وأفكار ملموسة أو إشارات نحو أفق واضح في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك في العلاقة المغاربية باتجاه مزيد من الوعي بأهمية التكتل المغاربي، وبأهمية الخروج من هذا الحد الأدنى من التعاون، وأتمنى أن تكون هذه اللقاءات فرصة للانطلاق مجددا في بناء مشروعنا الاقليمي، وفي ترتيب بيوتنا، حتى يكون بإمكاننا أن نتحكّم في خيوط صراع النفوذ الدائر حولنا، بين الأوروبيين والأمريكيين الذين لا يشعرون بالارتياح إزاء العلاقة الواسعة مع الاتحاد الأوروبي.