الاف الأطنان من السلع تعبر يوميا الحدود باتجاه ليبيا في وقت صار فيه العثور على السكر في دكاكين الجنوب التونسي كالبحث عن إبرة داخل كوم من التبن في الأثناء يعاني الآلاف من اللاجئين الليبيين الذين غادروا تونس من صعوبة الحياة في بلدانهم التي دمرتها الحرب. وأنتَ على الطريق الرابطة بين بن قردان وبوابة العبور برأس جدير سوف يشدك مشهد غريب فالشاحنات المحملة بالسلع الاستهلاكية اصطفت على طول كيلومترات تطوي الأرض طيّا باتجاه ليبيا. مجرورات من فئة الثلاثين طنا تكاد لا تجد توازنها على الطريق من شدة ما تحمله من بضائع متنوعة وكأن يوم القيامة غدا أو أن كارثة طبيعية قد تأتي على الأرض ومن عليها فهرع الناس إلى شراء كل ما يقع بين أيديهم تحسبا لطارئ ما. المشهد يتكرّر كل يوم تقريبا ومن النادر أن تتحرك الجهات المسؤولة لمراقبة ما تحمله هذه الشاحنات من بضائع والحقيقة أن ما يوجد فوق تلك المجرورات ليس إلا سلع تموينية معظمها من المواد المدعمة من الدولة التونسية لفائدة المواطن التونسي ومع ذلك يتم تصدير السكر والعجين والحليب والقهوة على مرأى ومسمع من الجميع. أما الغريب في هذا المشهد فهو تلك اللافتة الإدارية المعلقة في مدخل بوابة رأس جدير والتي تذكّر المسافرين أنه يمنع منعا باتا تصدير المواد المدعومة مبينة نوعية تلك المواد والعقوبات الناتجة عن عملية تصديرها. في نفس الوقت تعيش ولايات الجنوب التونسي أزمة حقيقية تتعلق بتموين الأسواق وبأسعار بعض السلع الاستهلاكية فزيادة عن ظاهرة الاحتكار اشتدت ظاهرة البيع المشروط وارتفاع الأسعار حتى أن بعض المستهلكين اضطرّوا للتحوّل إلى مدن مجاورة للتزوّد بحاجياتهم. وعند سؤالنا عن الأسباب التي تقف وراء هذه الأزمة أفاد أحد تجار مدينة بن قردان أن كل الطلبيات موجهة للسوق الليبية ما أنعش تجارة المواد الغذائية وأثرى تجّار الجملة الذين أصبحوا يبيعون سلعهم بالحاضر بعدما كانوا ينتظرون أسابيع وأسابيع لسداد ديونهم من طرف تجّار التفصيل التونسيين. تكتيك القذّافي والحقيقة أن ما يُصدّر نحو السوق الليبية عبر بوّابة رأس جدير يطرح أكثر من سؤال فالكميات الكبيرة من السلع تكفي لأشهر وأشهر لذلك كان ولا بدّ من معرفة من يقف وراء ذلك وفوجئت شخصيا بقراءة أحد أعوان الديوانة التونسية الذي قال لي إنّ ذلك من صميم خطة وضعها العقيد القذافي بنفسه وتقضي باستيراد إنتاج المصانع التونسية لمدة الستة أشهر القادمة لتكوين احتياطي غذائي في المدن التي يسيطر عليها من جهة ومن جهة أخرى قطع طريق الامدادات على منطقة الجبل الغربي الواقعة تحت سيطرة الثوار بمعنى آخر السعي الى تجويع سكان الجبل الغربي عبر شراء كلّ السلع التموينية من تونس التي تعتبر المنفذ الوحيد لتزويد ليبيا بحاجياتها الغذائية. يبقى أننا لا نعرف إن كان أصحاب المصانع في تونس هم شركاء في هذه الخطّة أم أنهم يبيعون فقط للذي يدفع أكثر. عودة المعذبين في الأرض كان لتحرير عديد المدن التي كانت تحت سيطرة كتائب القذافي الأثر الايجابي لدى الآلاف من اللاجئين الليبيين المقيمين في تونس منذ بداية الحرب في بلدهم ، لذلك ارتفعت وتيرة العودة الى درجة أنّ مخيّمي ذهيبة ورمادة أغلقا أبوابهما، لكن هذه العودة كان لها انعكاساتها السلبية. فبمجرد أن وطأت أقدام اللاجئين منازلهم في مدن عديدة من الجبل الغربي حتى اكتشفوا حقيقة ما آلت إليه الأوضاع. إذ لا وجود للكهرباء ولا للماء الصالح للشراب وقام بعض المخرّبين بتدمير قنوات الصرف الصحي وسرقة المراحيض وأنابيب النحاس بحيث أصبح من المستحيل العيش في تلك الظروف القاسية ما قد يدفع بالآلاف الى العودة من جديد إلى تونس. وزيادة على ذلك الوضع المأساوي استغل بعض التجار الجشعين الموقف من أجل الكسب السريع بالزيادة بشكل فاحش في الأسعار غير عابئ بالأوضاع الاجتماعية الرديئة لليبيين من سكان منطقة الجبل الغربي ويباع لتر الحليب بثلاثة دنانير والبيض بدينار للأربعة وحدات والسكر بأربعة دنانير فيما بلغ ثمن الكيلوغرام من العجين الى دينارين على أن البنزين يباع ب65 دينارا للڤالون من فئة عشرين لترا. وزادت درجات الحرارة من حدّة هذه الأزمة فهي انعدام الكهرباء لا يمكن تشغيل المكيّفات والثلاجات لحفظ الأغذية ما قد يتسبّب في كارثة صحيّة خاصة بالنسبة للصغار وكبار السن.