قد يتساءل البعض رغم ذلك: ما بال الجماعة التي أقامت الدنيا على مشروع المرسوم ولم تقعدها؟ هل مسّها من سوء فيه؟ برز في الرافضة طرفان رئيسيان هما السادة القضاة خاصة «النقابة» الوليدة والسادة عدول الاشهاد، ولكل مأخذ وله جواب:مآخذ القضاة: الفصل 47 من المرسوم أو مسألة «الحصانة».اعتبر عدد من السادة القضاة أن الفصل 47 من المرسوم وفّر «حصانة» للمحامي بحذفه التتبعات الجزائية ضده عن الاعمال والمرافعات والتقارير التي ينجزها اثناء مباشرته لمهنته او بمناسبتها، مع الابقاء على امكانية مساءلته تأديبيا، وما قد ينجر عن ذلك من حصول تطاول أو تعد من المحامي على هيبة القضاء.وللرد على هذا المأخذ وجب التنويه ان الأصل في المحامي أنه يجلّ هيبة القضاء ولا يسمح لنفسه ولا لغيره أن يحط من القدر الرفيع للسلطة القضائية خاصة أنه كان أول المناضلين عن استقلاليتها زمن الظلمات، فضلا عن أن القضاة هم قبل كل شيء زملاء الدراسة والعمل اليومي وليس من الحكمة ولا من الأخلاق معاداتهم ولا الحط من شأنهم.ومن جهة ثانية فإن المرسوم جاء مكرسا لامكانية مؤاخذة المحامي تأديبيا وهي لمن لا يعلم أشد على المحامي من المؤاخذة الجزائية اعتبارا الى أن محو المحامي من الجدول ونزع صفة المحامي عنه أشد عليه من اعدامه. في حين أن دخول المحامي الى السجن قد لا يمس مطلقا من كرامته خاصة اذا ما كان بسبب أداء واجبه ومناضلته عن منوبه، وقد لا يدري كثيرون أن مجرد إحالة المحامي على مجلس التأديب تعد مساسا خطيرا بسمعته وبصورته إزاء زملائه وحرفائه وتهديدا خطيرا لمستقبله المهني. وبالمقابل فإن عددا معتبرا من المحامين «زاروا» السجون نزلاء لا زائرين دون أن يمس ذلك من صورتهم بل وسجّل لهم ذلك في صحائف البطولات.وفي كل الأحوال فإن النص السابق كان تهديدا لحق الدفاع اكثر منه تهديدا للمحامي، ولم يكن بالمقابل من جزاء للقاضي الذي يعمد الى اهانة المحامي أو الحط من شأنه بالجلسة أو بالمكتب دون أن يقدر المسكين على الرد.مأخذ عدول الاشهاد: الفصل 2 من المرسوم.لقد تعلق الفصل الثاني من المرسوم بتحديد مجال تدخل المحامي، وتضمن الفقرة الثالثة منه ما يلي «كل ذلك دون المساس بما أجازه القانون لعدول الاشهاد...».وبما أن المرسوم صدر والحمد & باللغة العربية السهلة والمبسّطة، فإنني اعترف بعجزي عن تفسير هذه الجملة من هذا الفصل الذي لم يغصب اختصاص أحد، ولم يخرج عن مجال التدخل القانوني للمحامي. ولم أفهم منذ البدء ما بال الاساتذة والشيوخ العدول، أم أن الأمر لم يكن سوى مناورة فاشلة هدفت الى محاولة انتزاع بعض اختصاصات المحامي... من المحامي، لعل وعسى؟غير أن الثابت والأكيد في النهاية أن مرسوم مهنة المحاماة جاء دعما لثورة الشعب بتدعيم حق الدفاع تكريسا للعدالة التي نشدها شهداء الثورة، وتنظيما للقطاع الاضخم في جسم العدالة بما أن عدد المنتسبين لكل قطاعاتها قضاة وعدول تنفيذ واشهاد وخبراء ومستشارين لم يبلغ الى اليوم نصف عدد المحامين في تونس.