رغم ارتفاع نسق الحملة الانتخابيّة وازدياد حدّتها مع دخولها الأسبوع الثاني وقبل الأخير ، فقد كشفت الأحداث المتعلّقة بسير تلك الحملة عن بعض السلوكات التي بدأت في الانتشار والتوزّع عبر مختلف جهات الجمهورية والتّي تنمّ عما يُشبه الرفض للعملية الانتخابيّة أو على الأقل محاولة التشويش عليها. فمع سلوك «سب» و»شتم» بعض المترشحين ومحاولة عرقلة اجتماعاتهم أو تظاهراتهم الانتخابيّة وكذلك مظاهر لعنف مادي في عدد محدود من الدوائر (قفصة مثلا) ظهرت في الضاحية الشمالية للعاصمة معلقات تدعو إلى «مقاطعة الانتخابات» كما تفاجأ أهالي تاجروين بسيارة تجوب أنحاء البلدة بسرعة وهي تنشر مناشير تنادي إلى نفس «الهدف» أي الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات ،هذا مع ما أحدثت واقعة «نسمة TV» من أثر ومخاوف من أن يكون الأمر على صلة بالتأثير على الانتخابات من هذا الجانب أو ذاك خاصة مع ظهور مؤشرات للتهديد بالعنف والعودة إلى مربّعات الخطر والفزع وربّما حتّى «الرعب» داخل الرأي العام الوطني بعد فترة سابقة اتّسمت بالهدوء وبعودة تدريجيّة للأمن. ولكن السياق العام للحملة الانتخابيّة يؤكّد أنّ التوجّهات الكبرى للبلاد حكومة وأحزابا ومكونات للمجتمع المدني ولغالبية المواطنين تحيا على وقع الانتخابات وعلى «وهج» الحملة الانتخابيّة المتصاعدة خاصة أنّ الأحزاب والقائمات المترشحة سارعت إلى التنديد بكل ما من شأنه أن يضرّ بمجريات العملية الانتخابية وهو الأمر الذي أوجد أجواء من الطمأنة حول الاقتراب من تحقيق غاية وطنية تاريخية ألا وهي انتخاب مجلس وطني تأسيسي يكون القاطرة الأولى لإعادة الشرعية إلى مؤسّسات الدولة وهياكلها. لقد مرّ النسق الانتخابي – مثلما تؤكّده التغطية اليومية التي تقوم بها جريدة «الشروق»- من مرحلة أولى بطيئة إلى مرحلة ثانية فيها بدايات ظهور لتنافس حقيقيّ بين المترشحين والمترشحات وفيها أيضا ابتكار لأساليب جديدة في الدعاية والتعريف بالأشخاص والبرامج فإلى جانب الزيارات الميدانيّة للأرياف والقرى والتجمّعات السكانيّة النائية وكذلك الانتشار في الأسواق والساحات الكبرى لتوزيع البيانات الانتخابيّة أو محاولة التواصل مع الناس وكسب مودّتهم وتعاطفهم خاض بعض المترشحين تحرّكات فريدة لاقت الاستحسان وشدّت إليها أنظار المتابعين لوقائع الحملة الانتخابيّة على غرار قوافل السيارات التي بلغت أرجاء نائية جدّا وكذلك – مثلا- الزيارة التي أدّاها وفد عن قائمة مترشحة في دائرة تونس 2 إلى مؤسّسة يهوديّة (دار المسنين بالمرسى) أو أيضا «المصافحة الوديّة» بين «ديلو» و»بن غربية» في بنزرت أو كذلك عقد اجتماعات ولقاءات مشتركة بين مترشحين ، وهي أشياء توجد ارتياحا بخصوص إمكانيات واسعة لتعميق روح الانسجام والألفة بين التونسيين دون نظر إلى دياناتهم ومعتقداتهم أو انتماءاتهم السياسيّة والحزبيّة. على أنّ «السؤال» في مثل هذه المرحلة من الحملة الانتخابيّة ومن عموم العملية الانتخابيّة يطرح إشكاليّة جوهريّة في مدى تمسّك بعض الأطراف أو الجهات سواء من داخل «السباق الانتخابي» أو من خارجه بالسعي إلى الإضرار بالمنافسة الانتخابيّة أو التأثير على انطباعات الرأي العام المحلي والدولي وانتظاراته من هذا الحدث التاريخي البارز وعن نواياهم من مثل ذلك «الصنيع».