رفع يد وزارة الداخلية عن الاحزاب.. إدخال مرونة على شروط و اجراءات التكوين والانخراط في حزب سياسي.. تقابلها صرامة تجاه «تصرفات» الحزب وطرق تسييره المالي مشفوعة بعقوبات تصل حد الحكم بحله... صدر المرسوم المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية ليقطع نهائيا مع قانون 3 ماي 1988 سيئ الذكر الذي خنق الحياة السياسية طيلة ال23 سنة الماضية خصوصا أنه صدر بعد أقل من 6 أشهر من تولي بن علي الحكم وهو ما يؤكد ان المخلوع كان حريصا منذ بداية توليه الحكم على ضرب العمل الحزبي والسياسي في مقتل حتى يخلو له الطريق نحو الديكتاتورية دون ان يقض مضجعه حزب معارض واحد، وهو ما حصل فعلا. فطيلة النظام البائد، ظل المشهد الحزبي في تونس مقتصرا على لون واحد وعلى رجل واحد، واضطر بعض من حاول النشاط الحزبي الفعلي إلى الانسحاب المبكر بعد أن كشر النظام النوفمبري عن أنيابه في السنة الثالثة لتوليه الحكم، في حين واصلت احزاب أخرى معارضة النشاط إلى جانفي 2011 في أطر وظروف يعلمها الجميع. لا وُلاة، لا معتمدون ولا عُمد جاء في المرسوم المذكور أن الولاة والمعتمدين الأول والكتاب العامين للولايات والمعتمدين والعمد ممنوعون من الانخراط في الأحزاب السياسية، وهو اجراء جديد سيقطع مع الوضع السابق الذي كان فيه المسؤولون الجهويون بيادق بأيدي حزب التجمع وهو ما زاد في تعميق أزمة التنمية والتطور الاجتماعي والاقتصادي بالجهات الداخلية وحل مشاكلها بما أن شغلهم الشاغل كان تلميع صورة بن علي والتجمع والميزانيات الموضوعة على ذمتهم كانت توجه لهذا الغرض . لكن على الحكومة الحالية والحكومات التي ستليها ان تعمل على تطبيق هذا الشرط بشكل صارم وأن لا تقتصر فقط على مراقبة الانخراط الشكلي لهؤلاء المسؤولين بل مراقبة امكانية انخراطهم غير المعلن أو الخفي في الأحزاب. ومن جهة اخرى حافظ المرسوم الجديد على المنع السابق للعسكريين وللقضاة وأعوان قوات الأمن الداخلي وأعوان الديوانة من الانخراط في الأحزاب السياسية . سنَ و جنسية من الاجراءات الجديدة أيضا هو تخفيض سن الانخراط في الحزب السياسي من 18 إلى 16 عاما وهو سيضمن اكثر مشاركة للشباب في سن مبكرة في العمل الحزبي وفي الحياة السياسية بشكل عام وهو ما لم يكن يحبذه النظام البائد مما تسبب في نشأة جيلين غير مهتمين بالحياة السياسية. وعلى صعيد آخر، نص هذا المرسوم على أن تأسيس حزب والانخراط فيه متاح لكل حامل للجنسية التونسية ووقع التخلي عن شرط قانون 1988 الذي يشترط بالنسبة للمؤسس الحصول على الجنسية التونسية دون سواها منذ 10 سنوات، وهو ما سيتيح لعدد من التونسيين الحاملين لجنسيات أخرى غير التونسية امكانية تكوين حزب سياسي في تونس وبالنسبة للمنخرط كان الشرط هو الحصول عليها منذ 5 سنوات ووقع التخلي عنه . من «الداخلية» إلى «الأولى» كان قانون 1988 المشار إليه ينص على أنه لا يمكن للحزب السياسي أن يتكون ويمارس نشاطه إلا بعد الحصول على ترخيص صادر بقرار من وزير الداخلية ينشر بالرائد الرسمي بعد إيداع المؤسسين لتصريح في الغرض لدى وزارة الداخلية وهو ما يعرف بنظام الترخيص . ويمكن لوزير الداخلية رفض الترخيص بقرار معلل في أجل أقصاه أربعة أشهر من إيداع التصريح، وهو قرار قابل للطعن أمام المحكمة الإدارية ،وفي صورة سكوت الإدارة عن الرد في هذا الأجل يعتبر ذلك قبولا لمطلب التكوين. وجاء المرسوم الأخير ليسحب هذه المهمة من وزارة الداخلية بعد أن خنقت هذه الأخيرة طوال السنوات الماضية العمل الحزبي والسياسي بشكل عام حتى لا يقع التشويش من أي كان على المخلوع زمن حكمه، كما جاء ليلغي أيضا مسألة الترخيص، ذلك ان هذا المرسوم ينص على أنه جاء ليضمن «حرية تأسيس الأحزاب السياسية وحرية التنظيم السياسي ودعم التعددية السياسية وتطويرها». واكتفى هذا المرسوم بالتنصيص أنه على من يرغب في تأسيس حزب سياسي ان يرسل مكتوبا مضمون الوصول مع الاعلام بالبلوغ إلى الوزير الأول، وفي صورة عدم رجوع بطاقة الاعلام بالبلوغ في أجل 60 يوما، يعتبر ذلك قرارا ضمنيا بعدم الاعتراض على تكوين الحزب. غير أنه يمكن للوزير الأول اتخاذ مقرر في رفض تأسيس الحزب إذا لم يحترم الحزب في نظامه الأساسي ما نص عليه المرسوم . كما أنه وقع اختصار أجل الرفض من 4 أشهر (عندما كان الأمر بيدي وزارة الداخلية) إلى شهرين فقط، ويمكن كما في السابق الطعن في قرار الرفض أمام المحكمة الادارية. وفي كل الأحوال نص هذا المرسوم على أنه «يحجر على السلطات العمومية عرقلة نشاط الأحزاب أو تعطيله بصفة مباشرة أو غير مباشرة» وهي العادة السيئة التي كرسها النظام السابق حيث كانت الأنهج والشوارع المؤدية إلى مقر بعض الأحزاب تغلق مثلا عندما يكون له نشاط ما وكان أيضا يقع منع المدعوين والمواطنين من الحضور وهي ممارسات متخلفة لطالما أساءت لسمعة تونس وللمشهد السياسي فيها وسيقع القطع معها بفضل المرسوم الجديد. المال «الحزبي» أولى المرسوم الجديد المسائل المالية للأحزاب أهمية بالغة ووضع أسقفا للتمويل الحزبي عكس قانون 1988 الذي مر عليها مرور الكرام واكتفى بالقول ان الحزب يمكن له أن يملك ويتصرف في حصيلة اشتراكات أعضائه وممتلكاته والمحلات والمعدات التابعة له، مع ضرورة التصريح لل«داخلية» بكل هبة أو تبرع، كما لا يجوز للحزب تلقي إعانات مادية من جهة أجنبية أو من أجانب موجودين بتونس بصفة مباشرة أو غير مباشرة إعانات مادية مهما كان عنوانها أو شكلها. أما المرسوم الجديد فقط حدد سقفا لكل تمويل فمثلا اشتراكات الأعضاء لا يجب أن تتجاوز 1200 د سنويا للمنخرط الواحد وإذا ما تجاوز 240 د يقع سداده بصك أو حوالة بريدية حتى يمكن اثباته. أما القروض فيجب أن لا تتجاوز تعهدات الحزب لدى مؤسسات القرض 200 ألف دينار. ويمكن للحزب الحصول على تبرعات وهبات صادرة عن أشخاص طبيعيين لا تتجاوز سنويا 60 ألف دينار لكل مانح. ويحجر على الأحزاب السياسية قبول تمويل مباشر أو غير مباشر، نقدي أو عيني صادر عن أية جهة أجنبية أو عن مصدر مجهول. كما يمنع الحصول على تمويلات من الذوات المعنوية الخاصة والعامة وهو ما كان منتشرا بشكل كبير زمن حكم بن علي حيث كانت المؤسسات العمومية لا تتوانى عن تقديم أموال الشعب لهذا الحزب لينفقها في تظاهراته المتعددة. وأصبح كل حزب مطالبا بفتح حساب بنكي أوبريدي واحد لكل معاملاته المالية وكذلك بتعيين وكيل مالي واحد . وكل المعاملات التي تفوق 500د يجب أن تكون بواسطة صكوك او تحويلات بنكية أو بريدية. وعلى كل حزب مسك محاسبة مالية دقيقة وقانونية وسجلات مالية مع ضرورة تعيين مراقبي حسابات عند تجاوز موارده مليون دينار ومراقب واحد إذا لم تتجاوز الموارد هذا المبلغ. مساعدات للمواطنين هي عادة سيئة كرسها حزب التجمع المنحل طيلة السنوات الماضية وتتمثل في «شراء» المواطنين الفقراء والبسطاء (وعددهم كبير) عبر ما يسمى بالمساعدات والمنح والهبات والعطايا وعندئذ يجد المواطن نفسه مجبرا على الانخراط في التطبيل والتهليل للحزب، رغم أن ما يتسلمه بسيط للغاية بل وأحيانا يوجه لغير الفقراء. وجاء المرسوم الأخير صارما وصريحا في هذا المجال : يحجر على كل حزب سياسي تقديم أية امتيازات مالية أو عينية للمواطنين أو للمواطنات. الظاهرة للأسف نشهدها الآن مع احزاب أخرى خطت على خطى التجمع واستغلت الحملة الانتخابية للقيام بهذا الصنيع في أكثر من منطقة بالبلاد. وبما أن المرسوم دخل حيز التنفيذ منذ صدوره بالرائد الرسمي فلماذا لا يقع التعجيل بتطبيقه في هذا المجال حتى تتوقف الظاهرة ولا تؤثر على حسن سير الانتخابات؟ ففي هذه الحالة يمكن الحكم قضائيا بحل الحزب وتخطئته بنفس مقدار ما قدمه للمواطنين . عقوبات وتضمن المرسوم أيضا كل الخطوات التي يقع تتبعها لمعاقبة الحزب المخالف لمختلف الأحكام وتبدأ بالتنبيه ثم بتعليق النشاط ثم بالحل بحكم قضائي . وقد يصل الأمر حد السجن 5 سنوات بالنسبة لتلقي تمويل من جهة اجنبية أو من مصدر مجهول.