بات من شبه المؤكّد أنّ المترشحين لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي والمتسابقين لحيازة مقاعد به من مختلف الأطراف والتوجهات السياسية أصبحوا متهافتين على استخدام مختلف الأساليب والطرق للتأثير على الرأي العام أيّاما قليلة قبل موعد الاقتراع، وربّما في هذا السياق وحده يُمكن فهم البعض من المؤشّرات والمعطيات حول حقيقة ما يجري حاليا بين الفاعلين السياسيين من تجاذبات وما ينعكس منها وعلى وقعها على حياة التونسيين اليوميّة من مستجدّات وأحداث وتطورات أصبحت تتسارع وتزداد كثافة كلّما اقتربنا من موعد 23 أكتوبر. ويذهب العديد من العارفين بخصوصيات وطبيعة المشهد السياسي والحزبي في تونس أنّ هذا المشهد يزداد ضبابيّة يوما بعد يوم على خلفية واقع التجاذبات العميق الذي ما تزال تحتكم إليه مسارات الانتقال الديمقراطي والاصلاح السياسي التي انطلقت فيها بلادنا منذ 14 جانفي الفارط والتي غلب عليها الفراق والانقسام واستحال فيها تجسيد حالة وفاقية يكون للجميع فيها نصيب وتكون من ثمّ سببا في طمأنة مختلف الأطراف ومنح الشارع التونسي حالة الاستقرار والأمن واستعادة نسق حياته المعتاد. إنّ «الشارع التونسي» سيبقى دوما عُرضة لمناورات الفاعلين السياسيين وتجاذبات مختلف الأطراف الساعية إلى الحكم والسلطة ، ومن المهم في هذا الصدد أن تكون هناك من الدلائل ما من شأنه أن يُطمئن فعلا على صواب مسارات الإصلاح الجارية حاليا والإمكانيات المتوفّرة لإنجاح المسار الانتخابي الّذي هو دونما شكّ قاطرة تجسيد ما يحلمُ به التونسيون منذ أزيد من نصف قرن في نظام ديمقراطي وعدالة اجتماعيّة وكرامة ومواطنة وحقوق إنسان، وهنا تتأكّد المهمّات المنوطة بعهدة الدولة (الرئيس والحكومة المؤقتة) وكذلك الهيئة المستقلة المشرفة على العملية الانتخابيّة لمواصلة تأمين بلوغ المرحلة الانتقالية شاطئ الأمان في إطار الحياد التام والتذكّر المستمر لمسؤولية تهدئة الأجواء والابتعاد بالبلاد عن توتّرات جديدة لا قدّر الله. إنّ ما يدور الآن في كواليس السياسيين «الآن» من مخطّطات ومُناورات وإن كان الجزء الأكبر منها مشروعا بالمنطق السياسي الصرف فإنّها لا يجبُ بحال من الأحوال ان تقفز عن حاجيات المرحلة ومتطلّباتها الأساسيّة في حماية الوحدة الوطنيّة وتحقيق الطمأنة لكافة التونسيين والتونسيات وفتح الطريق أمام البلاد لكي تحيا على وقع تغيير حقيقي يُنهي عقود الضيم وغياب العدالة ويُمكّن الفقراء والمحتاجين من تحسين سريع لظروف عيشهم عبر عودة الحركية الاقتصادية إلى سالف نشاطها وتثمين مكسب الثورة في تنشيط قطاعات مهمّة على غرار السياحة والرأس مال الاستثماري الأجنبي ناهيك وأنّ بلادنا ومنذ 14 جانفي أضحت قبلة أنظار العالم بأسره وموضع انتظاراته. وفي هذا الباب تتأكّد المسؤوليّة التاريخيّة الهامة الملقاة على عاتق النخب والسياسيين من أجل كبح «مناوراتهم» وجنوحهم للمكاسب الحزبيّة والفئويّة الضيّقة انتصارا للثورة وللشعب وخاصة لفئاته الضعيفة والمنهكة، وكما كشفت لنا الأحداث ما كان يعتملُ داخل كواليس الحياة السياسية والحزبيّة طيلة حكم الرئيسين بورقيبة وبن علي فإنّه من المؤكّد والحتمي أن يأتي يوم تتوضّح فيه للعيان وعلى أبهى صورة ما تحوكه الأطراف السياسية مات بعد الثورة من مناورات ودسائس وكذلك ما تفعلهُ البعض منها من خير وتوجّه صادق ونبيل لخدمة الوطن بعيدا عن توتير الأوضاع وتأجيج المشاعر وتغليب أنفاس الفتنة والخراب على روح الوفاق والوحدة الوطنيّة وصالح البلاد.