لم تخل جلسات المجلس الوطني التأسيسي من التشنج الواضح لدى «كتلة المعارضة» التي امتنعت في بعض المواقف عن التصويت، فهل هو تسليم ب «الهزيمة» وبداية الدخول في مرحلة «العبث» والتعطيل أم أنّ للمعارضة دورا يمكن أن تلعبه في المرحلة القادمة؟ تساؤلات عديدة تطرح حول أداء المعارضة ودورها في المجلس التأسيسي بعد خمسة أيام من المناقشات الخاصة بمشروع قانون التنظيم المؤقت للسلط وحالة البطء التي طبعت المناقشة وحالة التململ التي أبداها البعض إزاء هذا التباطؤ، مع أن هناك إجماعا بين كل الأطراف على أنّ الوضع في البلد لم يعد ينتظر كثيرا ولا بدّ من التعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية ومن ثمة تشكيل الحكومة. انطباعات وأحكام واعتبر عضو المجلس التأسيسي عن حركة الوطنيين الديمقراطيين منجي الرحوي أن الانطباع السائد إلى حدّ الآن من مداولات المجلس أن هناك أغلبية مسيطرة تريد التصويت على المشروع كما هو في صيغته الأولى دون تحويرات أو نقاشات كثيرة وهناك أقلية تعطّل، ولكن رئيس المجلس الدكتور مصطفى بن جعفر قال إن هذا التوصيف ليس صحيحا وإنه لا هذا ولا ذاك يمكن القبول به، خاصة أن بن جعفر وضع قاعدة منذ اليوم الأول للمناقشات وهي ضرورة الإسراع ولكن دون الوقوع في التسرع، ولكن غاب الإسراع وربما غاب التسرع ولكن حضر التشنّج. من جانبه اعتبر رئيس كتلة حركة «النهضة» في المجلس نور الدين البحيري أنّ حركته والائتلاف عامة لا ينظر إلى الأمور من منظار الأغلبية والأقلية أو فريق منتصر وآخر منهزم «لأننا نعتبر أن المجلس التأسيسي يمثل الشعب التونسي كافة ونحن نتعامل مع بعضنا البعض تعامل الإخوة ونسعى إلى أن يكون لنا جميعا شرف المشاركة في إعادة بناء النظام السياسي على أسس صحيحة». وردّا على سؤال حول امتناع كتلة المعارضة عن التصويت لدى مناقشة بعض الفصول قال البحيري « هم أحرار ونحن نقدّر لهم انشغالهم ولكن تمنيت ألّا تجري الأمور بتلك الطريقة، ونحن نأمل أن يفكّروا جيّدا ويستعدّوا للمراحل المقبلة من المناقشات والمشاركة في تفعيل هذه المؤسسة الدستورية التي لا أحد له مصلحة في تعطيلها لأن في عرقلتها وتعطيلها عدم وفاء بالتزاماتنا إزاء شعبنا». وأكّد البحيري أنه «ليس هناك منتصر ولا منهزم، وهذه ديمقراطية تتطلب حرية إبداء الرأي». وتصرّ كتلة المعارضة على تأكيد أنها تقوم بدور وطني عبر طرح مقترحات ومحاولة إدخال بعض التعديلات على فصول وفقرات ترى أنها لا تتماشى والمصلحة الوطنية أو طبيعة المرحلة، وترفض اعتبار وجودها صوريّا في المجلس وإن كان أمين عام حركة التجديد والنائب عن القطب الديمقراطي الحداثي أحمد إبراهيم تساءل في جلسة الليلة قبل الماضية «ماذا نفعل هنا إذن إذا كانت اقتراحاتنا لا تؤخذ بعين الاعتبار؟» وتبدو «كتلة» المعارضة أحيانا في حالة عزلة وتخبّط حتى أنه لم يبق لها أحيانا سوى التصفيق لكلمة ترى أنها «ترفع المعنويات» أو تحريض أعضاء هذه الكتلة بعضهم البعض على التصويت وتوحيد المواقف لدى تمرير فصول معينة لكن هذا الفريق لا يجني في النهاية سوى بضع عشرات من الأصوات في أحسن الحالات وهو عدد لا يصل حتى إلى ربع أعضاء المجلس. تبريرات عضو المجلس عن القطب سمير بالطيب قال ل «الشروق» إن قرار عدم التصويت اتخذناه بعد أن لاحظنا أنه ليس هناك تجاوب معنا، والطريقة التي كان بها الرد علينا وعلى مقترحاتنا جعلتنا نتفق على الاحتفاظ بأصواتنا في بعض الأحيان، فمثلا بعد أن اتفقنا على التصويت على الفصل السابع ما راعنا إلّا بتدخلات من أعضاء من «النهضة» و»المؤتمر» يقدّمون لنا دروسا وكأنهم يقولون لنا إنّ ما يوفرونه لنا من وقت لإبداء آرائنا هو «مزية». واتهم بالطيب كذلك رئيس المجلس ورئيس لجنة مشروع قانون التنظيم المؤقت للسلط الحبيب خضر «بالانحياز للأغلبية سواء من خلال منح أعضائها وقتا أكثر أو من خلال السكوت عما قامت به من «تهجم» علينا» حسب قوله. لكن مناقشة معظم الفصول شهدت تدخلات من فريق المعارضة أكثر بكثير من تدخلات الأعضاء الذين يمثلون الائتلاف، وبرّر أعضاء من المعارضة ذلك بأن الائتلاف يريد تمرير الفصول دون نقاش !! وردّا على سؤال حول ما إذا كانت المعارضة قد رمت المنديل وأصبح دورها عبثيا داخل المجلس إذا كانت الأمور تسير في النهاية على النحو الذي رسمه الائتلاف مع بعض التعديلات البسيطة قال بالطيب «لا لقد صوتنا ونحن أقلية ونعلم ذلك، ولكننا حققنا بعض المكاسب في بعض الفصول مثل أغلبية التصويت على لائحة اللوم وكل ما يتعلق بعزل الرؤساء الثلاثة، ونعتبر أن المعارضة لا يزال أمامها دور للقيام به». وأضاف بالطيب «لم نقل إننا أغلبية ولا نريد افتكاكها ولكن نحن نبحث دائما عن الوفاق، نحن لا نمثل أحزابا بل شعبا وبالتالي يجب أن نحكّم ضمائرنا، وهذا ما لم نره حتى الآن، وفي كل مجلس، النائب هو نائب عن الأمة جمعاء، وبالتالي يجب تحكيم الضمير ومصلحة البلاد والوطن أولا». أرقام وأدوار وبلغة الأرقام كان التصويت على معظم فصول المشروع بنفس الفارق الشاسع من الأصوات تقريبا، لكن عضو المجلس عن الحزب الديمقراطي التقدمي إياد الدهماني قال إنّ عدد الأصوات التي تم به تمرير مختلف الفصول ليس دائما هو نفسه، موضحا أن «دور المعارضة أن تعبر عن مواقفها وأن تقدم مقترحات بديلة وقد وجدت بعض المقترحات تجاوبا كبيرا لدى الرأي العام الأمر الذي دفع الأغلبية في عدد من النقاط إلى التراجع عن مقترحات كانت متمسكة بها خلال أعمال اللّجان مثل أغلبية سحب الثقة من الحكومة واعتبار مجلة الأحوال الشخصية كقانون أساسي وهذا حصل تحت ضغط الرأي العام وهو نتيجة دور المعارضة. ورأى الدهماني أن عدم المشاركة في التصويت لم يكن سببه عدم الحصول على الأغلبية وإنما احتجاجا على ممارسات رئيس اللّجنة الذي لم يأخذ في الاعتبار بعض التعديلات ولم يطرحها على التصويت، مشيرا إلى أن هذا الموقف وهذه الطريقة في التعاطي لا تختص به المعارضة فحسب بل إن بعض النواب المنتمين إلى الائتلاف (وتحديدا من التكتل) أبدى ملاحظات في هذا الاتجاه. ردّ حاسم وفي خضم هذا الجدل حول دور المعارضة داخل المجلس وما يثيره البعض من اتهامات لها بالتعطيل وللأغلبية بمحاولة الهيمنة قال عضو المجلس عن حركة «النهضة» سمير ديلو «لقد صبرنا على الاتهامات وعلى تشبيهنا بالتجمع المنحلّ وعلى اتهامنا بالدكتاتورية لكننا نواجه يوميا بدكتاتورية الأقلية. وأكد ديلو أنّ الأغلبية متواضعة وحريصة على التوافق متوجها إلى الأقلية بالقول «لا تتعسفوا على هذه الأغلبية، والتصويت على الفصول كما جرى ليس فيه اضطهادا ولا تعسفا، ونحن لا نريد أن نصل إلى اتهام الطرف الآخر بالتعطيل ولا نزال صابرين على كل ما يجري».