عرف الداعية الإسلامي بشير بن حسن بسعة علمه واعتداله وجرأته في التعبير عن رأيه في مواضيع دينية شتى حتى لو كانت هذه المواضيع ملامسة لمسائل ذات حساسية كارتداء النقاب. هذا اللباس الأسود، الذي يخفي المرأة عن الأعين ويخفي كلّ ملمح من ملامحها، تحوّل إلى قضية شغلت الناس والإعلام وما تزال تثير الجدل في الشارع التونسي بين مؤيد ورافض لارتداء المرأة هذا اللباس الذي ظل محل اختلاف بين الناس وكان وراء مصادمات بين السلفيين وإدارتي كلية الآداب بمنوبة وسوسة وكان للشيخ بن حسن حديث مطوّل مع«الشروق» حول هذه القضية. ما تزال قضية النقاب تثير الجدل في الجامعات التونسية فما رأيك؟: كما ذكرت على صفحتي الرسمية على ال«فايس بوك» عندما سئلت مرارا وتكرارا عن النقاب قلت انها من المسائل التي اختلف حولها العلماء ولم يقع الاجماع على وجوبه على كل امرأة والقول هذا قديم فطائفة أقرت بوجوبه وطائفة قالت باستحبابه وعندنا كتب ومراجع بين أيدينا من مختلف المدارس الفقهية ومثلا هذا الكتاب بعنوان «جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة» للعلامة الألباني ذكر فيه نحو 8 أدلة على جواز كشف المرأة لوجهها وهذا من العلماء المحسوبين على التيار السلفي وقدم أدلة من الحديث الصحيح... المسألة فيها اختلاف فأفتينا بأنه اذا اضطرت الفتاة إلى أن تدرس وهي على وشك الانتهاء نحن لسنا ضد أن تتعلم المرأة في تونس أو أن تعمل إن كان هذا بضوابط شرعية فالمجتمع معروف بمشاركة المرأة للرجل في العمل إذا خضع ذلك لضوابط الشرع وكانت المرأة تعمل في وسط نظيف بعيدا عن كل ما يخدش كرامتها أو يوقعها في الفتنة... وهنا أقول إن خالة جابر بن عبد الله كما في صحيح مسلم قالت «يا رسول الله إني خرجت لأجذ نخلا لي فزجرني رجل من الأنصار لأني خرجت فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم: جذي نخلك عسى أن تصدقي أو أن تصنعي معروفا». فالمشكلة في تونس أننا ابتلينا بطائفتين: طائفة ميعت الدين بل اتخذت منه عدوا لدودا وخصما ظاهرا وليس لها حديث إلا عن الاسلام وما يتعلق به وهؤلاء لا يجوز لهم أن ينسوا أنهم في بلد عربي مسلم لأن تونس مسلمة بفضل الله واستعمال مصطلحات تيار اسلامي أسلمة الشعب وأسلمة القوانين...هذا كله ينبغي تركه وأنا ضد هذه التسميات فالمسلم مسلم يثبت اسلامه بتوحيد الله وشهادة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يتفاوت الناس في العمل فمنهم الملتحي ومنهم من حلق لحيته ومنهم المتحجبة ومنهم غير المتحجبة وكلهم مسلمون ومؤمنون... والله عز وجل قال « إنما المؤمنون إخوة» وهذه الأخوة لا تنتفي إلا بالكفر المخرج من الملة والمعاصي مهما عظمت لا تخرج صاحبها من الملة ما لم يستح من الله وهذه من قواعد العقيدة ولذلك كنت قد نبهت في الدروس والمحاضرات التي أقدمها الى كلمة أخ وأخت قد تستعمل بين الشباب فنقول المتحجبة أختنا وغير المتحجبة أختنا كذلك فكلنا إخوة فمن ثبته الله وهداه سددنا الله واياه ومن لا يزال بعيدا أو عنده سوء فهم للأمور نسأل الله أن يهدينا واياه. بصفتك شيخا وداعية لماذا لا تصدر فتوى في مسألة النقاب؟ لقد أفتيت في المسألة وقامت الدنيا ولم تقعد ولو تقرأ الشتم والتهجم والتهكم والطعن في النية وبعض الشباب ينظرون الي الآن بأني عميل وأميّع الدين. وما فحوى تلك الفتوى؟ لما سئلنا عن النقاب قالوا إنني خذلت المنقبات نحن لم نخذل المنقبة قلنا إذا تعتقد المنقبة أن النقاب واجب تتمسك به وانتقبت عن عقيدة وقناعة وهي ترى أنه يحرم عليها كشف وجهها نقول قوله تعالى:(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)هذه الآية من سورة الأحزاب. قلنا لها أن تدرس بالمراسلة وأن تتعلم علوما نافعة أو أن تعمل وتدرس في وسط تستطيع أن تلبس فيه نقابها... أما التي تريد أن تأخذ بالقول الثاني لأهل العلم وهو قول الجمهور كما ذكره الألباني في جلباب المرأة المسلمة بكشف وجهها هي هل منعت من الجلباب؟ لا لم تمنع هل منعوها من الخمار ؟ لا اذن بقيت القضية في الوجه... هناك قول إذا أرادت أن تأخذ به تقليدا لهذه الطائفة من أهل العلم فنقول إن شاء الله تكون على خير والله عز وجل يقول : (فاتقوا الله ما استطعتم). أنا لا يخفى علي طبيعة المجتمع التونسي وقد عرجت على ذلك في صفحتي الرسمية وقلت إن الفتاوى التي تصدر عن مشايخنا وعلمائنا الأفاضل لا نشك في علمهم ولا في صدقهم ولا في أمانتهم ولكن لا بد من اعتبار بلدانهم التي يعيشون فيها فالظروف تختلف وأحوال الناس تختلف وقد قلت إن المجتمع الخليجي ليس كالمجتمع المصري والمجتمع المصري ليس كالمجتمع الشامي والمجتمع الشامي ليس كالمجتمع التونسي... ففي المغرب العربي تجد الفروق كثيرة في مسألة العادات والتقاليد وعقلية الناس والظروف السياسية مختلفة وعلى ضوء هذا الاختلاف تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والدين نفى الله عنه الحرج(وما جعل عليكم في الدين من حرج فاتقوا الله ما استطعتم) و(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ولكن لا يجب أن نستعمل هذه النصوص لتمييع الدين وليس هذا من باب التنازل لكن إذا ضاق الأمر يقول شيخ الاسلام رحمه الله عن الاختيارات الفقهية:«قد يكون الانسان بين قولين: قول راجح وقول مرجوح في مسألة من المسائل قد تقتضي المصلحة العمل بالقول المرجوح». لكن هناك من يستند الى أن وجه المرأة مكشوف في الحج والعمرة؟ هناك حديث في الصحيحين «لاتنتقب المحرمة ولاتلبس القفازين»... فالنقاب والقفازان محرمان في الحج والعمرة والمعلوم أن الحج والعمرة تجد فيه اختلاطا كبيرا بالرجال. وهذا الدليل من الأدلة التي استند إليها أهل العلم أو من يقول بجواز كشف الوجه فيقال لو كان الوجه عورة فلا يجوز كشفه في الحج... أما الطائفة الأخرى فتقول إن هذا القول على المحرمة فقط وليس فيه دليل على وجوب ستر الوجه فلا تستره بالنقاب فتستره بشيء آخر وهذا اجتهاد كذلك. نحن نحترم كل الأطراف من أهل العلم لكن يبقى طالب العلم و الداعية و كذلك المواطن العادي في موقف يتقي الله ما استطاع. صراحة الشارع في تونس انقسم بين مؤكد بأن النقاب لباس ديني وبين مؤكد بأنه لباس دخيل؟ هذا خطأ لا بد من تصحيح المعلومة أنا لا أحابي أحدا ولست من يفتي ويدندن على وتر المستمعين فأنا لست فنانا... النقاب في شرع الاسلام لا شك فيه ومن يشك في ذلك عليه أن يناقشني وسأقدم الأدلة المكتوبة من كلام المالكية فأنا حتى الكتب التي أقرأها وأدرسها هي مالكية لعلماء تونس ومن يقول إن النقاب ليس من الدين أو من العادات وليس من العبادات فقد أخطأ ونقول له راجع نفسك والحمد لله المكتبة الاسلامية شاملة ومتوفرة فليعد إلى الأدلة من الكتاب والسنة. كيف يمكننا تجاوز هذه المرحلة المشحونة في ظل تمسك السلفيين بمواقفهم ورفض البقية للنقاب؟ هؤلاء شريحة من المجتمع، هل يمكن أن نقصيهم ونلجم أفواههم أم نحاورهم... أرى من الضروري فتح حوار بحضور أهل العلم...الآن الكل يفتي هناك من يظن أنه بمجرد الإبحار على الانترنت والاطلاع على المواقع الدينية سيصبح عالما، لابد من العودة الى أهل العلم ولا أظن أن هناك من العلماء من سيقول أيتها المنتقبات البسنه ولو أن تعتصمن في الجامعة وأن تأتين بمن يناصركن من الشباب لتصير الأمور فوضى. أنا لا أظن أن عالما سيفتي بهذا... فمن قواعد الشرع إذا ضاق الأمر اتسع والمشقة تجلب التيسير، أنا إذا قلت هذا لا أريد تمييع القضية أو تمييع الدين وإنما أنافح عن ديني فهذه قضية اعتقادية قال الله فيها:(و ما جعل عليكم في الدين من حرج).