شكّلت المساحات الخضراء متنفسا لسكان المناطق الحضرية غير أن التجاوزات المتواصلة من طرف المواطنين تمثل تهديدا لها. وقد تفاجأ سكان حي فتح الله بطريق حفّوز بتحول المساحة العمومية البيضاء الى تقسيم سكني. ومثل هذه الحالة كثير. قطعة الأرض موضوع الخلاف تمسح 1180 مترا مربّعا كانت وفق المثال القديم للحي مخصصة للتجهيزات، ويستعملها سكّان الحيّ كمتنفس وفضاء للعب الأطفال في حيّ يفتقد أساسا إلى مناطق خضراء ليتضح حسب شكواهم أنّ أحد المستحقين كلّف من قام بالتفويت في القطعة المذكورة بالبيع لعدّة أشخاص بأثمان بخسة. وقد اعترض السكان عبر عرائض ممضاة وقضيّة عدلية قاموا برفعها ضدّ هذا التلاعب الذي سبب لهم ضررا فادحا حسب زعمهم. متنفس وحيد وقال بعض المتساكنين ان الساحة ملك عمومي يلعب فيها الأطفال وهي متنفسهم في الصيف الحار. خاصة وان المساحة البيضاء والتي ضلت على نفس الحال طيلة اكثر من عقدين، هي عبارة عن ساحة كبيرة تتوسط بناءات كثيفة على الجهات الأربع، والتي يمكن أن تكون في جانب منها ملعبا لأبناء الحيّ وحديقة محيطة يمكن ان تمثل رئة الحيّ المفتقر إلى المرافق الترفيهيّة. واستظهر السيّد شكري الهوام بالمثال الهندسي الذي ينص أنّ هذه القطعة «تجهيزات» باللغة الفرنسية مبيّنا أنّ هناك تلاعب حصل في التقسيم المكرر خصوصا وأنّهم اشتروا قطع الأرض حسب تقسيم 1979 وبسعر أعلى عن السعر المتعارف عليه لوجود هذه الساحة التي لطالما لعبوا فيها واعتبروها الشيء المشترك الوحيد بين أهل الحيّ. تحركات في كل الجهات وقد تحرّك السكان بمختلف الوسائل القانونية الى جانب الحضور وسط الساحة صحبة أطفالهم للحيلولة دون تنفيذ التقسيم الجديد مرسلين عدلا منفذا للبلدية التي أجابتهم أنّ الساحة لم تكن في يوم ما منطقة خضراء حسب مثال التهيئة العمرانية وإن أقرّت أنّها مرسمة كتجهيزات وأنّها ستبقى كذلك. لكن المسالة لم تحل فالملاّك الجدد الذين دفعوا اموالهم ثمنا لقطع الأرض، عازمون على البناء والحصول على حقوقهم. ليس هناك مانع قانوني من جهتها لا ترى بلدية القيروان أي مانع قانوني في تقسيم المساحة البيضاء. حيث أكد السيد معز الغزي المكلّف بالتهيئة العمرانية والدراسات ببلدية القيروان أنّ البلدية ليست هي المعنية وحدها بمسائل التقاسيم بل هي عضو في اللجنة الجهوية للتقسيمات التي تضمّ إدارة التجهيز وأملاك الدولة وبعض الإدارات المختصة الأخرى. وأوضح أنّ المثال يمسح 19 ألف متر مربع متحصل على المصادقة منذ سنة 1979 ومقسّم إلى 74 قطعة سكنيّة وقطعة تمسح 1180 وقع تخصيصها كتجهيزات، وأنّ قرار التقسيم الجديد قام به الورثة وصدر في 26 أكتوبر 2011، وبين أنّ الأمر تمّ حسب القانون بعد استقصاء عمومي في الجرائد منذ تاريخ 23 مارس 2011 وأنّ هناك موافقة من قبل 33 مالكا يمثلون الثلثين وافقوا كتابيا على التقسيم الجديد. كما أكّد السيد الغزّي أنّ اللجنة رأت أنّ القطعة مخصصة تجهيزات وتقسم على هذا الأساس على سبع مقاسم تخصص لتجهيزات «خاصّة» ويمكن بناء مخبزة أو مقهى أو حمام أو مساحة تجارية مع بناء طوابق تخصص كسكن أو مكاتب فاللجنة في حقيقة الأمر أبقتها كتجهيزات وسكنية علويّة، وأنّ هذا التقسيم لن يكون نهائيّا إلاّ بعد شهادات الربط والتعبيد. كما أكّد المسؤول البلدي أنّه لا إشارة لكلمة منطقة خضراء في التقسيم ولا توجد كلمة عمومية في وصف تجهيزات مما يعني أنّه قانونيا يمكن القيام ببناء تجهيزات خاصة وبناءات سكنية فوقها، دون أن يقع اتهام أحد بتجاوز القانون. لعبة المتنفذين ويبدو أنّ السكّان لم يقتنعوا بتفسيرات البلدية طاعنين في الموافقات المكتوبة معتبرين أنفسهم الأغلبية غير الموافقة على إعادة التقسيم، مبلغين عبر رسائل إلى الوالي ووزير الداخلية ورئيس البلدية التزامهم بالرفض مطالبين بتحويل المساحة إلى حديقة عامة يتكفلون هم بتهيئتها وحمايتها. من جهة ثانية تفتقر مدينة القيروان الى المساحات الخضراء وسط الأحياء. ورغم انه تم تخصيص فضاء للغرض في عديد التقسيمات العقارية التي تشرف عليها الشركات العقارية حسب ما ينص عليه القانون، الا انه يتم الاستيلاء على هذه المساحات وتحويلها الى مبان. والغريب في الأمر ان معظم من يقوم بذلك هم من موظفي الدولة وأغلب الأحيان من البلدية او ذويهم او من أصحاب النفوذ السياسي او الأمني (في السابق). ولم يتم استرجاعها. فمن يفك لغز هذه اللعبة.