بعد بضعة ايام من المقاطعة مازالت تداعيات دعوة منظمة الدفاع عن المستهلك يتردد صداها بين الجزار والمستهلك في سوق بنزرت وفي هذا الصدد تجولنا بين محلات القصابين لرصد تفاعل المستهلك ورد فعل الجزارين إزاء هذه الدعوة.
تدخل سوق الخضار فيعيقك الزحام المعتاد, ربما سببه ضيق المساحة, ربما سوء التصرف,أو لعله الإنتصاب في كل صوب وذلك ليس بجديد ولكنك كل مرة تزور فيها السوق لا بد أن تلاحظ التوسع الجديد...الناس تتحرك بتراخ, عيونهم غلب عليها الجحوظ, في أياديهم أكياسهم السوداء وابتسامتهم وإن ندرت فهي تدل عن صبر طويل, في القسم المخصص باللحوم من السوق لم نلاحظ حركة استثنائية فالأوضاع عادية, الحرفاء متوزعون بين المحلات وبعضهم كان بصدد الشراء, قابلنا السيد عبد الرحمان البجاوى رئيس الغرفة الجهوية للقصابين ببنزرت وعضو في المكتب التنفيذى معبرا عن أسفه وآستيائه الشديد من هذه الخطوة محملا المسؤولية في ذلك إلى الإعلام الذي غيب الأطراف الفاعلة في المسألة وهم الفلاحون والسماسرة والجزارون وخاصة ذلك الحوار التلفزيوني الذي عجز عن الخروج بحلول ناجعة تراعي مصلحة جميع الأطراف ويعزي محدثنا ذلك لإقتصار الحوار على إستدعاء طرفين واحد ممثل للحكومة وآخر عن منظمة الدفاع عن المستهلك, هذه المساحة الحوارية التي تغاضت عن مناقشة أسباب الإشكالية بطريقة علمية وموضوعية ودراسة وتحليل حيثيات وظروف إرتفاع الأسعار, بل عملت إلى إتخاذ خطوة المقاطعة وهو ما يعتبره السيد عبد الرحمان عملا مجحفا في حق القطاع, وفيما يخص الحلول التي إقترحها فيمكن تلخيصها في دعم الفلاح وتشجيع المستثمرين وتجارالقطاع بالتخفيض في قيمة الأداءات.
في زقاق صغير وضيق من جوانب السوق تجلبك اللافتات الخشبية الملونة المعلنة عن «تخفيضات هائلة في أسعار اللحوم» ولحم فرشك 10دينار وهو ما سيبدو مختلفا وجديدا فهذا النوع من اللافتات تعودناه في مناسبات أخرى وفي محلات كبري-, في محل صغير لصاحبه فوزي بن عباش الذي كان يتفرج على التلفاز حين تحدث معنا بضيق شديد معتبرا أن هذه المقاطعة هي رجة قوية تعصف بالقطاع وتهدد الجزارين فالإستهلاك الضعيف أصلا قد تراجع بنسبة 50% خلال أيام المقاطعة,بينما يعتبر أن الأسعار في متناول المواطن وتلبي حاجيات الحريف ومقدرته الشرائية› وذلك ما ساندته فيه السيدة وهيبة الدريدي حريفة وربة بيت والتي اعلنت جهلها بمسألة المقاطعة وأنها لا تهتم لمثل هذه الممارسات فهي التي لا تهتم إلا بتسيير شؤون عائلتها الخاصة لن تلتزم بمثل هذه الإتفاقات مستأنسة بمقولة: «عندي نشري ما عنديش ما نشريش. و«كل واحد يشري على قد جيبه».
من جهة أخرى تصر السيدة فوزية الشابي أم وربة منزل على تطبيق المقاطعة معتبرة أنها مسؤولة كمواطنة وملزمة بتنفيذ الآتفاق في كامل مدته المقررة مسبقا وتقول:«أحنا تفاهمنا باش نقاطعو,لازم نلتزمو, أنا شخصيا ولو تم التخفيض إلي دينار واحد للكلغ لن أشتريه, لابد أن نساعد الحكومة ولابد عليها أن تساند الشعب وتتكفل بحل مشاكله وقضاياه».
أما محمد الدقي فهوالجزار صاحب شعار «سياسة البلاد غالطة» إذ طالب بإصلاحات جذرية تأخذ بيد الجزار الذي يتكبد مصاريف جمة ثم غيرمن تلك النبرة الحماسية إلى أخرى أكثر تشنجا وحنقا حالما ذكر أو تذكر فاتورة الكهرباء الأخيرة المطالب بتسديدها وقدرها 940دينارا ومستحقات الضرائب المطالب بدفعها دوريا, ثم شدد أن الوضع أصبح خطيرا إذ أن المقدرة الشرائية للحريف أصبحت ضعيفة «بعض الحرفاء يطلبون شراء ما مقداره دينار أو دينارين من اللحم وهو ما يدق ناقوس خطر.»
وفي ركن آخر من السوق جلس السيد فوزي الغالي وأشار إلى لافتة كتب عليها: «بركوس7000» ثم قال;»الزوالي هاو ينجم ياكل, يطبخ كسكسي وملوخية وما يتحرمش» أفادنا بكلمات قليلة ولكن خبرته الطويلة أعلنتها ملامحه المجهدة وشعيراته البيضاء.وبعد هذه الجولة غادرنا السوق متحولين إلى نقاط بيع أخرى وكانت المحطة الثانية في محل «القصاب» لصاحبها محمد الهادي الملياني حيث تستقبلك الوان زاهية وشعارات حماسية تؤكد التوجه الجديد في آستعمال الدعاية التنافسية والإشهار المباشر سألنا إبن صاحب المحل «محمد محفوظ الملياني» بصفته المسؤول المباشر إن كان ذلك سياسة لتحدي المقاطعة فأجاب الشاب بثقة واضحة أن اللافتات قديمة وليست آنية وواصل حديثه فيما يخص المقاطعة ليدعم ما تبناه زملاؤه من القصابين أنها حركة تدخل في مجال التعسف علي الجزارومغالطة المواطنين ولن تأتي أكلها إذ أنها لا تعالج أصل الداء, وهنا تستطيع أن تلاحظ وجود حركة تجارية رغم الدعوة إلى المقاطعة وذلك ما أكده محفوظ, ويبدو جليا أن محفوظ دفعه طموحه لتطوير مؤسسة والده للبحث على سبل للتخفيض في أسعار بضاعته مع المحافظة على الجودة وكان ذلك بالاستغناء عن الوسيط ولكنه يعتقد أن القطاع مثقل بالآفات ولابد من تدخل الدولة لمعالجتها لتوسيع الآفاق وذلك من خلال تحرير السوق,الإنفتاح على أسواق خارجية جديدة ,رفض الاحتكار, تعزيز سلطة الرقابة لحماية المستهلك والجزار,دعم صغار الفلاحين والإستفادة من تجارب وأفكار رجال الميدان الذي يصر «أنهم مبعدون».وتبقى إشكالية إرتفاع الأسعارهاجس النسيج الإجتماعي مؤخرا ولا بد من إيجاد حلول جذرية بتفاعل جميع الأطراف