قال الجينرال رشيد عمار في لقائه مع وزير الداخلية علي لعريّض ووزيرة المرأة سهام بادي أن «الفسحة إنتهت» بالنسبة للجماعات السلفية التي أصبحت تشكل خطرا على الأمن العام ما فهم منه أن حملات تجنيد واسعة النطاق ستقوم بها المؤسسة العسكرية في صفوف شباب هذه الجماعات لكن ألا يمثل ذلك خطرا على الجيش نفسه؟ في ذات الوقت جاء في دراسة قامت بها وزارة الشؤون الدينية أن أكثر من 400 مسجد من جملة 5000 في تونس صارت تحت سيطرة الجماعات السلفية بمختلف تفرعاتها الأمر الذي دفع برئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي إلى الإعلان عن عودته للقيام بدروس داخل المساجد في مختلف مناطق الجمهورية إستهلها بدرس في مسجد التوبة بحي الخضراء بتونس العاصمة يوم 30 مارس الفارط وذلك من أجل وضع حدّ للتجاوزات التي تقوم بها الجماعات السلفية داخل المساجد كرفع الصوت وحتى الإعتداء على الأيمة والمصليّن من غير الموالين لهم.
هذا التوافق في الرؤى بين المؤسسة العسكرية والحزب الحاكم لقطع الطريق أمام الجماعات الإسلامية قد يتسبب في صدامات عنيفة وقد يؤدي كذلك إلى اختراق المؤسسة العسكرية إذا ما تمّ تجنيد الآلاف من الشباب السلفي وفي نفس الوقت سيدفع بحركة النهضة إلى حماية شبابها البالغ سنّ التجنيد حتى لا يتم الخلط بينهم وبين شباب الجماعات الإسلامية الناشطة في تونس.
«سيناريو رجيم معتوق»
على مدى تاريخ تونس الحديث اعتبر التجنيد آلية فعالة لقمع المعارضين السياسيين في صفوف الطلبة والتلاميذ والموظفين والعمال المطالبين بأداء الخدمة العسكرية ويبقى معسكر رجيم معتوق الواقع على بعد 120 كلم غرب ولاية قبلي في عمق الصحراء التونسية رمزا لهذا التمشي الذي أقره الرئيس الحبيب بورقيبة في منتصف السبعينات من القرن الماضي وكان الآلاف من الطلبة والأساتذة والمعلمين والمثقفين قد تم اعتقالهم تحت غطاء «التجنيد دون أن يتلقوا تدريبا عسكريا مثلهم مثل بقية المجندين في الثكنات العادية بل أرغموا على القيام بأعمال شاقة لاستصلاح هذه الأرض الصحراوية مخافة أن يكون لهم تأثير سياسي على العسكر ومن ثمة اختراق الجيش كما حدث في بلدان أخرى في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا.
لذلك يبدو خيار تجنيد شباب الجماعات السلفية طبعا إن كان ذلك هو المقصود من كلام الجينرال رشيد عمار مغامرة محفوفة بالمخاطر والخوف كل الخوف أن تتحول ثكناتنا إلى فضاءات للدعوة والتبليغ بل وحتى للجهاد ومن ثمة تحويل الصدام من الشارع إلى داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
في المقابل يبدو خيار العمل المدني في صلب المؤسسة العسكرية مثلما كان الحال مع تجربة رجيم معتوق أمرا يتناقض مع المبادئ التي قامت من أجلها ثورة 14 جانفي والقائمة أساسا على الحرية والكرامة والحق في التعبير وعليه فإن المسألة على غاية من التعقيد والحساسيّة فكيف سينهي إذا الجينرال فسحة العابثين بالأمن العام؟
غزوة المساجد
لما قرر رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي خارطة بعشرين درسا سيقوم بها في مختلف أنحاء البلاد اعتبر العديد من الملاحظين السياسيين في تونس أن هذه الخطوة أتت ردّا على مبادرة الوزير الأول السابق الاستاذ الباجي قايد السبسي الذي أعلن بدوره عن سلسلة من الاجتماعات سيعقدها في العديد من ولايات الجمهورية للترويج لمبادرته ولم شمل العائلة الدستورية لكن تقرير وزارة الشؤون الدينية التونسية حول وجود أكثر من 400 مسجد من جملة 5000 تحت سيطرة السلفيين أعاد الأمور إلى نصابها وكشف الغاية من الدروس التي قررها الشيخ راشد الغنوشي فهذا الأخير واع جيدا بأن الخطر لا يكمن في مبادرة الاستاذ الباجي قايد السبسي على أهميتها وإمكانية ململة حركة النهضة بل في الجماعات السلفية التي أصبحت تزعج الحزب الحاكم في تونس وفي الخارج فالشارع أصبح يضغط بكل ثقله على حركة النهضة من أجل توضيح موقفها من السلفيين والقيام بخطوات جريئة فيما يتعلق بحماية الجامعات والتلفزة والإذاعة والمسرح زيادة على الحقوق الأخرى من تعبير ومجلة أحوال شخصيّة ومعتقد المهددة بشكل جدي من طرف الجماعات السلفية وعلى المستوى الخارجي تعاني الديبلوماسية التونسية الأمرين في إقناع الغرب بأن حركة النهضة لا علاقة لها بسلوكات الجماعات السلفية وتصرفاتها وهو ما يؤشر بأن الحرب بين النهضة والسلفيين قائمة لا محالة وقد تدور رحاها داخل المساجد هذه الفرضية تتطلب قانونا أو مرسوما لتطبيقها وهو ما يعني أن حركة النهضة مطالبة بمنع تعاطي أي نشاط سياسي داخل المساجد ومن ثمة الاستناد إلى ذلك القانون أو المرسوم حتى يتمكن الوزير علي لعريّض من تنفيذ خطته الأمنية بخصوص السلفيين.