قدّم الروائي الليبي الأشهر في العالم العربي إبراهيم الكوني رؤية متشائمة لما يجري في بلاده ليبيا اليوم وفي العالم العربي بعد الربيع العربي الذي قال أنه أصبح صيفا أو خريفا. في إطار اللقاءات الفكرية والأدبية التي ينظمها معرض أبوظبي الدولي للكتاب التقى جمهور المعرض في مناسبتين مع الروائي الليبي إبراهيم الكوني الذي أصدر 75 كتابا وترجم الى معظم لغات العالم وحاز على أكثر من عشر جوائز عالمية.
الكوني قال أن ما يحدث في الوطن العربي تحول الى صيف طويل منذر بمزيد من القمع والانحدار وقال أن ما حلمنا به من تغيير كان للأسف من سيء الى أسوأ وأن الثورات العربية لم تجلب السعادة الى البسطاء الذين صنعوها بل سرقت منهم من أجل تأبيد أنظمة جديدة بنفس آليات القمع والاستبداد واعتبر أن ما حدث الى حد الآن سواء في تونس أو ليبيا أو مصر أو غيرها من البلدان العربية كان ضد ما سقطت من أجله أرواح الشهداء والبسطاء الذين حلموا فعلا بربيع من الحريات والكرامة والعمل ..
واستشهد الكوني بما قاله جورج دانتون عن الثورة الفرنسية «ان من يجني ثمار الثورات هم أسفل السفلة»».
والروائي البير كامو الذي تحدث عن الثورات التي ترفع شعار العدالة لتنتهي بتأسيس أجهزة الشرطة.
ولم يتردد الكوني في طرح سؤال كبير عن مستقبل الربيع العربي الذي يبدو أنه تحول الى صيف، و ماذا بقي من الثورات حتى توصف بأنها ربيع. وقال أن ما يحدث مخيب للأمال بل يصل الى درجة اللعنة.
وعن بلاده ليبيا قال أنه ليس متحمسا للعودة الأن لأنه لا يستطيع تسليم رقبته في دولة بلا قانون يخوض فيها المسلحون حربا ضد الموتى في أشارة الى نبش قبور الجنود الإيطاليين والبريطانيين.
وفي إجابة عن أحد الأسئلة حول حكم الإسلاميين قال أن السياسة بطبعها بلا أخلاق واستغرب أن يصرّ الإسلاميون على الحكم وبناء دولة اعتمادا على الدين الذي يبقى قاسما مشتركا بين كل الناس ولا يمكن أن يكون مجالا لخلاف أو الصراع وأستشهد بسيرتي النبي موسى عليه السلام والرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم عندما خافا من الوحي وأكّد الكوني أنّه لا ربيع عربي دون ثقافة ودون حرية ودون عدالة وكرامة للبسطاء الذين خرجوا للشوارع وطالبوا بسقوط أنظمة القمع ليفاجئوا بأنهم بصدد مشاهدة نفس الأنظمة تعود من جديد بنفس الأساليب حتى وإن غيرت أسمائها..
العنصرية العربية
أما في اللقاء الثاني ،فقد كان الكوني صريحا وجريئا إذ قال انّ هناك من يعتبره كاتبا غير عربي نظرا لأصوله «الطوارقية» لذلك لم يحصل إلا على أربع جوائز فقط في حين حاز على أكثر من عشر جوائز عالمية وأعتبر أن القومية العربية متعصّبة وعنصرية وهي لم تولد إلا في المناطق المستعربة وليس في المناطق العربية الأصلية. الكوني قال أنّ العرب عنصريون ولا يعترفون بالآخر و لكّنه أكّد على اعتزازه بانتمائه الثقافي والروحي للثقافة العربية مثلما يعتز بأصوله التي تعود الى الطوارق الذين قال أنّهم يمثلون أمة عظيمة تمتد من مالي الى ليبيا الى الجزائر وهي أمة لها هوية و أما عن علاقته بالصحراء فقال أنها تسكنه بعمق رغم أنه غادرها منذ زمن بعيد على أثر الكارثة البيئية سنة 1957 التي ارتكبتها فرنسا بالتفجير النووي وهي جريمة مازال مسكوتا عنها وقد كانت الصحراء الكبرى قبل هذه الكارثة كانت تنعم بالمياه والبحيرات وتحتضن أهلها قبل أن يشردوا.
الكتابة عنده هي الدفاع عن الذاكرة الجماعية وعن ثقافة أهله.. اعتبر أن ثقافة شمال افريقيا لها جذورا عريقة في التاريخ وساهمت بعمق وجدية في الفكر الانساني وأثرت في كل اللغات اللاتينية والعبرية والعربية وهي أم اللغات وأكّد على أن العرب عنصريون لأنهم مازالوا يؤمنون بالعرق ويعملون على طمس الأقليات في حين لا أحد يستطيع أن يضمن سلامة انتمائه لعرق محدد.
نفى الكوني بشدّة أن يكون سعى الى الانتشار باعتماد أساليب الغرائبية وقال لو كنت أبحث عن هذا لما كتبت باللغة العربية التي قال أنه يفخر ويتلذذ بالكتابة بها وله علاقة روحية عميقة معها وقال أنّه يجيد أكثر من لغة وخاصة الروسية التي كان بإمكانه أن يكتب بها.
الكوني قال أنّه في النهاية ليس سواء صانع أساطير وأن الإبداع الذي يقوم على بناء الأسطورة من جديد ليس إبداعا وشدّد على أهمية الفلسفة في البناء الروائي وفي عمل الروائي.