توزر: صناعات تقليدية متنوعة تعكس خصوصية وثراء الجهات وتنوعها في الدورة 17 لأيام الصناعات التقليدية بتوزر    السنغال تفتتح مشوارها في ''الكان'' بفوز عريض على بوتسوانا    عاجل/ تشكيلة المنتخب التونسي المنتظرة امام أوغندا..    قانون الانتداب الاستثنائي لخريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم يدخل حيز التنفيذ    عاجل/ حادث مرور مروع بهذه الجهة..وهذه حصيلة الضحايا..    مدرّب المنتخب الجزائري لكرة القدم، فلاديمير بيتكوفيتش: سنبذل كل جهودنا للفوز بالمقابلة الاولى    القصرين: تحديد موعد رحلة ذهاب حجيج الجهة إلى البقاع المقدّسة    نزول كميات من الأمطار على أغلب مناطق البلاد خلال ال24 ساعة الماضية    السلطات الفرنسية تعتقل مؤثرا جزائريا بتهمة إهانة الشرطة    تعرف شنو يصير ليلة 24 ديسمبر؟    وفاة أب أثناء حفل زفاف ابنه بالقصبة: شنيا الحكاية؟    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    القيلولة مفيدة أو مضرة : العلم يحسم الأمر    في تطاوين: اشكاليات الكتابة المسرحية في تونس    سقوط حجارة من صومعة هذا الجامع..#خبر_عاجل    حسام حسن مدرب مصر: قلة التركيز سبب إهدار الفرص أمام زيمبابوي    كيفاش يتمّ تهريب المخدّرات عن طريق البلع؟...شكون يمارسها وشنوّا الريسك؟    بعد خسارة سوبر كرة السلة: إدارة الإتحاد المنستيري تتظلم لدى الجامعة    سفيان لسود " الطبوبي قدم استقالته لمكتب الضبط"    قرار قضائي في حق يوسف الشاهد ومهدي بن غربية    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": برنامج مباريات اليوم    تونس تحل في المرتبة الرابعة افريقيا ضمن مؤشر ريادة الأعمال الرقمية 2025    العودة لتونس: القلب يحب يرجع ... لكن الواقع يقول لا..علاش؟    عفو جديد عن مخالفات الصرف: البنك المركزي والديوانة يكشفان التفاصيل    شرط وحيد باش تتمتّع بجدولة ديونك عند الستاغ    أرقام: قطاع النسيج في تونس يوفر 155 ألف موطن شغل للتوانسة    عاجل: فيلم تونسي ''مخدوم بالذكاء الاصناعي'' يصل نهائي مسابقة عالمية في دبي    أيام قرطاج : المخرجون يطالبون بحماية الاستقلالية الفنية فوراً    كان 2025 : ترددات القنوات المجانية لمتابعة كل المباريات    وزير النّقل يؤدّي زيارة ميدانيّة إلى ميناء رادس التّجاري    فيروسات الشتاء: هذه الفئات معنيّة أكثر    كيفاش يعاونك ضوء النهار الطبيعي على ''ضبط مستوى سكر الدم''؟    حولوه لوكر لصنع المخدرات: إيقاف 13 شخصا من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء داخل منزل..    بتعريفة استثنائية "9 دنانير فقط": لا تفوتوا الفرجة في الفيلم الحدث "صاحبك راجل2"..التفاصيل..    تذاكر طيران ومكافأة مالية: تفاصيل البرنامج الأمريكي الجديد للمهاجرين غير الشرعيين    زلزال يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    طرح مبادرة شاملة لإنهاء الحرب في السودان أمام مجلس الأمن    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع المياه بهذه المعتمديات    اليوم: طقس بارد وأمطار    الأكبر في العالم.. ترامب يعلن بناء سفينة حربية تحمل اسمه    نيجيريا: مسلحون يخطفون 28 شخصا بينهم نساء وأطفال    تازركة: تفاصيل إيقاف 13 مهاجرًا غير نظامي وحجز مخدرات وأسلحة بيضاء    رقم مفرح: هذا عدد السياح الذين زارو تونس منذ بداية 2025..    عاجل/ تحذيرات عالمية من متحور جديد للانفلونزا..    ترامب.. سنبدأ قريبا عمليات برية في فنزويلا وسنوجه ضربات في أمريكا اللاتينية    مسرحية «العين اللي ما تشوفكشي»: عندما يتحوّل المسرح إلى ضمير حيّ    في دار الشباب مساكن...ملتقى شباب المواطنة 2025 تحت شعار: «أصوات مختلفة وحوار واحد»    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    وزير الخارجية يدعو ممثلي البعثات الدبلوماسية إلى دعم تونس في الترويج لزيت الزيتون    الديوانة تنتدب 250 عريفا    لجان التحكيم تعترض على غياب دورها خلال حفل اختتام أيام قرطاج السينمائية    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    تحب تخلّص فاتورة الستاغ على أقساط؟ هاذم الشروط    عاجل/ بسبب "القريب": وزارة الصحة توجه نداء هام للمواطنين..    طقس اليوم: سحب كثيفة وأمطار رعدية منتظرة    اليوم: أقصر نهار في العام    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديقة بلا سياج : عابرُ الأجيال
نشر في الشروق يوم 10 - 04 - 2012

في 10 أفريل 1917، أي في مثل هذا اليوم، وُلد الأديب المُبدع البشير خريف في مدينة نفطة قبل أن تنتقل عائلته من الجريد إلى العاصمة التونسيّة حيث شبّ وتعلّم ومارس العديد من الحِرَف إلى أن التحق بمهنة التعليم التي مكّنته من بعض الراحة النفسيّة والماديّة كي يكتب وكي يكون له ما كان من شأن في القصّة والرواية.


أذكُرهُ ذاتَ ملتقًى في المركز الثقافيّ بالحمّامات سنة 1982. ذهبنا نحتفي به بمبادرة من محمد رشاد الحمزاوي مدير المركز يومئذ. كنّا مجموعة من الكتّاب والنقّاد والإعلاميّين وكنتُ أَحْدَثَهُم عهدًا بالساحة وبدا لي الرجل أسطورة تتحرّك بقيافته المميّزة وجرابه المُثقل بلوازم طقوسه ونظراته المتوهّجة بإقبال على الحياة مَشُوبٍ بنوع من الزهد الساخر.

كان يخرج إلى الحديقة بين الحين والآخر فيتناول عدّة التدخين ويشرع في ممارسة طقسه وكانت تلك فرصةً لم أُضيّعها. بدأتُ الحوارَ معه متهيّبًا إلاّ أنّه سرعان ما غمرني بذلك المرح المحتشم الذي يميّزه فإذا نحن نذهب بالحديث في كلّ اتّجاه. وكم بدا لي سعيدًا بذلك الملتقى، سعيدًا بأن يُنصفه النقّاد أخيرًا بعد أن عانى من أسلافهم في بداياته حتى كاد يُقلع عن الكتابة لولا قلّةٌ قليلة من الأذكياء على رأسهم محمد فريد غازي.

قلتُ له إنّي افتتنتُ بعالمه الروائيّ قبل أن أقرأ له حرفًا واحدًا عن طريق الاستماع إلى روايته «برق الليل» في صيغتها الإذاعيّة. كنّا نتحلّق حول المذياع أنا وإخوتي ونسرح مع الأحداث ونحلم ونحلّق وكأنّنا نمارس طقسًا من الطقوس. قلتُ له إنّي قرأتُ الرواية بعد ذلك فشعرتُ بغناها دون أن تذبل في ذاكرتي صيغتها التمثيليّة بأصوات عبد العزيز العرفاوي ونجوى إكرام ومحمد الهادي وعز الدين بريكة. فابتسم وحدّثني عن المسرح الإذاعي ومسرح الخشبة وتصاعدت بيننا حلقات الدخان.
لم تهرم أعمال البشير خريّف ولم يخطْ شعرَها الشيبُ الذي وخط شَعْرَ أعمال رُوّادٍ كثيرين لم يبق من ريادتهم إلاّ السّبْقُ الزمنيّ. ولعلّ السرّ في ذلك أنّه كان سبّاقًا إلى فهم أمور جوهريّة بوّأته مكانته وجعلته طريفًا مُلهِمًا حتى اليوم ومنحت أعمالَهُ قدرتَها العجيبة على عبور الزمن.

فهم أنّ الكتابة ليست عملاً ذهنيًّا محضًا بل هي معادلة خيميائيّة تعثر على سحرها في المزج بحسابٍ بين ما هو ذهنيّ وما هو من لحم ودم وأحاسيس لذلك نهضت شخصيّاتُ أعماله حيّةً نابضةً وغادرت عالَمَ التخييل لتقبض على المركز من الوجدان الجماعيّ على أرض الواقع.

فهم أنّ القبض على المركز يتمّ انطلاقًا من الهوامش لذلك بنى رواياته وأقاصيصه بدايةً من القاع والأطراف وأنصف المهمّشين واعتنى بالشخصيّات الثانويّة وانتزع البطولة من الوجهاء وذوي الأمر وانحاز إلى الكادحين والمستضعفين والعبيد فعبّر عن آلامهم وأحلامهم وصوّر نضالهم من أجل التحرّر والانعتاق.

فهم أنّ التجربة الأدبيّة لا معنى لها بعيدًا عن التجربة الحياتيّة وأنّ التخييل لا قيمة له دون تدقيقٍ وتحقيقٍ لذلك عبّر عن الجنوب التونسيّ كما خبِرَه وصوّر المدينة التونسيّة كما عرفها وغرس أحداث أقاصيصه ورواياته في تربة التاريخ فعرف كيف ينفذ إلى عمق عصره وعرف من ثمّ كيف يعبّر عن أوجاع الإنسان ومسرّاته في كلّ عصر.

فهم أنّ كتابة الذات هي الطريق إلى كتابة الآخر وأنّ الكتابة لأبناء البلد وعنهم هي الطريق إلى كتابة العالم وأنّ الانغماس في اللحظة والبيئة وروائحها وألوانها وأصواتها هي مفتاح المصداقيّة الجماليّة لذلك لم يستورد أسلوبًا ولم يستلف مُعجمًا ولم يصطنع إيقاعًا بل استمدّ كلّ ذلك من تُربته وأصرّ على المُصالحة بين الفُصحى والعاميّة مُصالحةً إبداعيّةً لا تُلقي بالاً لشقشقة الإيديولوجيا فإذا هو حاضرٌ أبدًا جديدٌ دائمًا عابرٌ للأجيال.

لم أكن أعلم يومَها أنّ الرجل كان يستعدّ للرحيل النهائيّ في 18 ديسمبر 1983 وأنّي كنت أراه وأحادثه للمرّة الأخيرة. وهَبْنِي فعلتُ! ماذا كنتُ أقول له غير ما قلتُ أو غير ما أقول اليوم وأنا أستحضر ذكرى مولده فأعود إلى أوراقي وأنظر في صُورٍ فوتوغرافيّة تشهد على ذلك اللقاء وأتصفّح «الدقلة في عراجينها» و«مشموم الفلّ» و«بلاّرة» و«برق الليل» فأراه حيًّا يُرزق في أعماله بل أكثر حياةً من أيّ وقت مضى؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.