قبل الخوض في موضوع الرسالة اود اعلام سيادتك أني تابعت بكل اهتمام الندوة الصحافية التي عقدتها يوم 24 فيفري 2012 في اختتام ما سمي بمؤتمر اصدقاء سوريا وتوقفت عند ردك على سؤال الصحفي كمال بن يونس حول الاعتراضات والاحتجاجات التي صاحبت اعمال هذا المؤتمر حيث تساءلت وسألت في بداية ردك أين كان هؤلاء المتظاهرين قبل الثورة وقد قلتها بنبرة تنم على عمق احتقارك لمواطنين لا تعرفهم.
اود اعلام سيادتك بأنني كنت وسط هؤلاء المتظاهرين وانني أعرف الكثير منهم ولذلك سأجيبك على سؤالك اين كانوا ... لقد كان اغلب المتظاهرين والمحتجين من الفتيات والفتيان الذين تظاهروا من الأيام الاولى في الهبة الشعبية التي أسقطت الطاغية وهالهم ان تستضيف تونسالجديدة وفي ظل حكم حركة اسلامية طالما اتهمت نظام الحكم السابق بالخيانة والعمالة للغرب واسرائيل مؤتمرا للأعداء التاريخيين لسوريا للتخطيط لتدميرها. وكان من بينهم ايضا بعض الذين كانوا هاربين في الخارج مثلي ومثلك ومثل كثيرين من رفاقك وشيوخك ولكن ليس دائما لنفس الأسباب.
وكان بينهم ايضا رجالا ونساء عرفتهم ساحات الكفاح الوطني منذ ستين سنة مثل الأستاذ الوقور احمد الشابي الذي سجل مظاهرته الاولى في سبتمبر 1951 في المهدية ويعتذر صاحب هذه الرسالة ان تأخرت مظاهرته الأولى عن ذلك التاريخ حيث جاءت في 2 ديسمبر 1952 في الوردانين يوم اغتيال فرحات حشاد. لقد هال هؤلاء جميعا على اختلاف اجيالهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية ان تتحول تونس الي أداة طيعة في أيدي الكبار والصغار.
سيدي الوزير،
لقد بحثت في كتاباتك الكثيرة عن نص أوموقف استدل به على عمق التناقض بين ما كنت تدعوله وانت في المنفى وما تمارسه الآن وانت على رأس الدبلوماسية التونسية، فلم أجد غير مقالات ودراسات نظرية. ولكنك تنتمي الى حركة سياسية دينية عتيدة صنعت الأحداث وانتجت أدبا غزيرا على مدى عقود. وقد اخترت هذه الفقرات من خطاب الشيخ راشد الغنوشي في جامعة الخرطوم بالسودان بتاريخ. 3 اوت 1990 يوم كان العراق مهددا بالتدخل الاجنبي على اثر اكتساح جيشه لدولة الكويت حيث يقول:
«ينبغي ان لا يكون هناك اي شك اي ريب اية مجاملة في هذا الامر. ان من يضرب العراق سنضربه في كل مكان ان الدولة التي تعتدي علي العراق سندمر مصالحها في كل مكان انه لن يبقى وجود غربي في أمة الاسلام اذا ضربت العراق». «لن يخرجوا بقرار من الأممالمتحدة ولن يخرجوا بخطبنا ولن يخرجوا بمفاوضاتنا لن يخرجوا حتي نشعل الارض من تحتهم ومن فوقهم ومن بين ايديهم ومن خلفهم نارا فلنعاهد الله على جهاد متواصل لحرب الامريكان حتى يخرجوا من كل شبر من ارض الاسلام اونحرق مصالحهم وندمرها في العالم الاسلامي كله ... واشعلوا وقود الحرب على الطاغوت بقيادة الامريكان اليوم في كل مكان».
لقد مضت علي هذه التصريحات 22 سنة ، ودمر العراق مرة أولى ثم خضع لحصار دولي طويل أحرق الاخضر واليابس ثم احتل ودمر ثانية ولم يشعل الشيخ راشد النار التي هدد بها بل انه انتهى على ما يبدوبالاعتذار عما صدر منه في حق طاغوت الأمس الذي تحول اليوم الي حليف استراتيجي.
إني وان ذكرت بهذا الموقف المتناهي في عنفه وتطرفه في مساندة العراق سنة 1990 ، فلغاية التطرق الى الموقف التونسي الرسمي من الأزمة السورية وما تميز به من تطرف من نوع اخر.
ففي صيف سنة 1990 عندما ادلى رئيس حركة النهضة بتصريحاته بخصوص العراق للتذكير كانت على طرفي نقيض من الموقف الرسمي لحركته في الداخل كان العراق مهددا بالتدخل الاجنبي والحرب المدمرة ولكنه كان ايضا هوالبادئ بالعدوان باحتلال جيشه الكويت الجار والشقيق ما استوجب استصدار 12 قرار اممي اعطت شرعية قانونية وسياسية للتدخل الاجنبي.
اما سوريا والتي صوتت تونس على تعليق عضويتها في الجامعة العربية وهي احد مؤسسيها السبعة، كما قاطعتها اقتصاديا ودبلوماسيا وسبقت في ذلك كل البلدان العربية وانخرطت في مخطط استعماري لغزوها، فإنها لم تعتد ولم تهدد احدا من جيرانها وكل ما في الامر انها عرفت انتفاضة شعبية كغيرها من البلاد العربية من اجل مزيد من الحريات والمشاركة الشعبية في ادارة شؤون البلاد, سرعان ما تسلحت واستعملت العنف والارهاب وركبتها قوى اجنبية ورأت فيها مدخلا لتدمير سوريا.
لقد كان الأجدر بتونس ان تساعد الشقيقة سوريا على تجاوز صعوباتها بالنصح الصادق كما فعلت ذلك على الدوام مع الأشقاء منذ أول حكومة شرعية منبثقة عن الاستقلال الوطني وليس بالقطيعة والمقاطعة.
اني لا احتاج لتذكيرك بتاريخ سوريا ودورها في الحضارة الانسانية فقد كانت مهدها الأول في زمن لم يتوصل فيه الانسان في الجزيرة العربية الى ترويض الجمل ولا ان اذكرك بدورها في تاريخ تونس القديم والأوسط واكتفي بتذكيرك بأنها احتضنت اجيالا من الطلبة التونسيين الذين انقطعت بهم السبل في بلادهم فهاجروا اليها ووجدوا فيها ضالتهم.
واذكر ان الشيخ راشد الغنوشي قد تخرج من جامعة دمشق بل اكثر من ذلك فهويذكر في احد احاديثه انه حمل السلاح دفاعا عن دمشق في حرب حزيران سنة 1967 ونذكر ايضا ان عديد العناصر النهضاوية من مدنيين وعسكريين من الذين لجئوا الى السودان في سنة 1991 قد اضطروا لمغادرته سنة 1999 وان السلطات السورية هي التي احتضنتهم حتى نهاية سنة 2003 حين غادروا سوريا الي بلدان شمال اوروبا .
فما الذي تغير لكي تقف اول حكومة تونسية تتزعمها حركة النهضة هذا الموقف العدائي من سوريا وتتحالف مع مستعمري الامس وتركيا الاطلسية واكثر الدول العربية عداء للحرية والديمقراطية لغاية تدميرها.
سيدي الوزير ،
ان دول الجامعة العربية التي قررت ارسال بعثة المراقبين العرب الى سوريا هي التي افشلت هذه المهمة وان الدول المنضوية تحت ما يسمى بأصدقاء سوريا هي التي اوصت مجلس الأمن بإرسال بعثة عنان والمراقبين الدوليين الى سوريا وهي التي تسعى جاهدة لإفشالها لغاية ايجاد الذرائع للتدخل العسكري في سوريا ومن المؤسف جدا ان تكون تونس عضوا في هدا التحالف الشيطاني.
ان سوريا تواجه موجة عارمة من الارهاب بدعم من تركيا وبعض الدول العربية والتحالف الغربي ، في الوقت الذي يتظاهر فيه جميعهم بالحرص على وقف القتال وفي الوقت الذي تتقدم فيه عملية الاصلاح السياسي آشواطا.
لهذه الأسباب والاعتبارات وحفاظا علي أواصر الأخوة مع الشعب السوري، واحتراما لسيادة سوريا، أدعوكم ان تراجعوا مواقفكم من القضية السورية بالانسحاب من التحالف العدواني لسوريا وان تسعوا لإعادة ربط العلاقات الدبلوماسية التي بادرتم بقطعها وان تسحبوا اعتراف تونس بما يسمى المجلس الوطني السوري لتبنيه العنف ودعواته للتدخل العسكري الاجنبي في سوريا وهو ما يمثل خيانة موصوفة في كل الشرائع والاعراف. وتقبلوا سيدي الوزير خالص التحية والسلام.