امتلأت الصفحات التونسية بأخبار الاعتصامات والاحتجاجات وإغلاق الطرق في العديد من المدن التونسية وخصوصا الجنوب والجنوب الغربي حيث بدت البلاد في صورة حرجة، وغلب الانفلات الأخلاقي والقانوني على العديد من الصفحات التونسية.
أيا كانت أسباب هذه الاعتصامات والحركات الاحتجاجية، فقد انتهى العديد منها إلى حالة انفلات مريب واستغلها ناشطون معروفون للدعوة إلى العصيان المدني، وإلى «إسقاط الحكومة»، وقرأنا عبارات وتعاليق في عدة صفحات تونسية لا تليق بشعب نظم انتخابات شفافة شهد العالم بنزاهتها. يكتب ناشط حقوقي وهو محام انتمى طويلا إلى التيار القومي في صفحته: «المصيبة أن من يدعو إلى الهدوء واحترام النظام يصبح متهما بأنه من مليشيات النهضة، ومن يتحدث عن انسداد الآفاق واستمرار تردي الوضع يصبح متهما بأنه من مليشيات المعارضة ودعاة الفتنة»، وكتبت صديقة له تعليقا جاء فيه: «قال العلامة ابن خلدون: إذا دخلت إفريقية فوافق أو نافق أو غادر البلاد». وسواء قال ابن خلدون هذه المقولة القاسية عن تاريخ بلادنا أم لا، فقد بدت هذه الأيام مطابقة للكثير مما يحدث من استقطاب سياسي بلغ حد الحرب المعلنة.
تتواتر الأخبار المفزعة من كل جهات البلاد، ليس عن الحركات الاحتجاجية فقط، بل عن الانفلات الأمني وما يروجه البعض من أن أعوان الأمن في معتمدية بوحجلة في القيروان سوف ينسحبون من العمل احتجاجا على قتل زميلهم على يد مجرم كان ألقى القبض عليه قبل ذلك. يضاف إلى ذلك الجرائم الشنيعة التي أصبحنا نفيق على عناوينها يوميا والتي تتفتق عنها أذهان البعض هذه الأيام.
يجد نشطاء المعارضة واليسار فيما يحدث خصوصا في الحوض المنجمي مادة دسمة للهجوم على الحكومة والتشنيع على نشطاء النهضة الذين يردون بأخبار تبدو متفائلة، مثل المصادقة النهائية على مشروع المالية التكميلي بما سيسمح للحكومة ببدء تنفيذ برامجها التنموية يوم الاثنين، وتحديد موعد الانتخابات القادمة حسب ما راج في الموقع يوم 20 مارس 2013 مع تحديد موعد أقصى لكتابة الدستور في 23 نوفمبر 2012. لكن ناشطا حقوقيا يكتب يائسا: «أعطيني شكون يسمعك هذه الأيام»، في إشارة إلى تنامي الاحتجاج عبر البلاد وغياب النقاش والحوار الهادئ المفيد بين فرقاء السياسة من أجل مصلحة الوطن. يكتب ناشط من حزب المؤتمر: «في كل الحالات، لن يقدر أحد على تشغيل مئات الآلاف من العاطلين في أسابيع ولا في أشهر، لا أحد يملك عصا سحرية لتحويل التخلف والركود في الجهات المحرومة إلى نمو وبنية تحتية وخدمات لائقة في أشهر، لذلك أنا أتوقع استمرار الحركات الاحتجاجية واستمرار توظيف البعض لها لتخريب البلاد».
بالتوازي مع ذلك، شهدت صفحات معروفة بقربها من النهضة هجمة شرسة على النقابي عدنان الحاجي، وتجاوز بعضهم كل الحدود الأخلاقية والقانونية في التعامل مع الرجل الذي يحسب له تاريخ نضالي طويل ومشرف في الحوض المنجمي أيام المحنة مع نظام بن علي. نشر أنصار النهضة مقطع فيديو للسيد عدنان الحاجي يقولون إنه دعا فيه إلى العنف ضد أنصار النهضة، وشنوا عليه هجمات تضمنت دعوات صريحة بالعنف والتهديد كما لو أن البلاد فقدت كل وسائل التعامل القانوني وأصبحت غابة يفعل فيها كل واحد ما يشاء. في المقابل، ثمة ناشطون كثيرون من خارج النهضة ساندوا القضية التي رفعها الزميل سمير ساسي ضد السيد عدنان الحاجي أمام القضاء، فكتبت احدى الزميلات تعليقا على ذلك: «على الأقل، هذا الزميل لم يشتمه ولم يطالب بقتله مثل بعض أنصار النهضة».
عناوين الأخبار المنشورة في الصفحات التونسية مخيفة وتدعو إلى الاكتئاب، وكثير من التونسيين يعبرون عن انشغالهم الكبير على مستقبل البلاد في ظل تنامي الدعوة إلى العنف من كل الأطراف، وتعطل الحياة الاقتصادية في عدة مدن مهددة بطبعها بالكساد.