يتابع المراقبون باستغراب ما يحصل من حملات تشويه بين الخصوم السياسيين في المواقع الاجتماعية وابرزها موقع ال«فايس بوك» على شبكة النات. ويأمل هؤلاء ألا تأخذ تلك الحملات صبغة رسمية فتصبح واقعا للحوار بين الفاعلين السياسيين خاصة انّ البلاد تسير نحو حسم انتخابي جديد ما تزال تفصلنا عنه أشهر قليلة. تلك الحملات طالت شخص عدد من القيادات السياسيّة وأبرزهم الباجي قايد السبسي صاحب مبادرة نداء تونس الوليد والسياسي الجديد الذي أعلن عنه نهاية الاسبوع الماضي ومصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي وأحمد نجيب الشابي رئيس الحزب الجمهوري وأحد أبرز قيادات المعارضة وراشد الغنّوشي رئيس حزب حركة النهضة.
«الشروق» طرحت السؤال على بعض الوجوه السياسيّة حول ما إن كان لهذه الحملات أيّ تأثير على مستوى الصراع السياسي وخاصة الانزلاق به الى مستوى اللاأخلاق وحول كيفية تحديد ضوابط للصراع السياسي حتّى يظلّ في مربّع التنافس الشريف بعيدا عن التشويه وهتك الأعراض فكانت الاجابات متفاوتة بتفاوت المواقع.
عصام الشابي الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري (المعارضة)
يقول عصام الشابي، الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، «التنافس على أشدّه بين السياسيين ما بعد الثورة فالكل يبحث عن دعم موقعه وهذا أمر شرعي ومفهوم وهذا مخاض رغم الانتقادات ما بين الاطراف وبالتالي أعتقد أنّه على المستوى الرسمي وعلى مستوى أداء الفاعلين السياسيين لم يخرج العمل السياسي بعدُ عن التعامل بالأخلاقيات الممكنة».
كما يرى الشابي أنّ عدم المسّ بالأخلاقيات على المستوى الرسمي لا يعني غياب المشاكل في العمل السياسي إذ هناك أحزاب سياسيّة تبيح لنفسها من أجل قاعدتها ومن أجل كسب نقاط قول الشيء ونقيضه وافتعال أزمات.
وأضاف «في المقابل نجد أنّ ما يُنشر في الفضاء الافتراضي من تشويه وافتراء وصل إلى درجة من الانحطاط الأخلاقي والسياسي إذ هناك أطراف سياسيّة لديها فرق مختصّة في تشويه الخصوم والافتراء واستعمال الألفاظ السوقيّة والغاية منها هي المس من الخصم السياسي وهذا ما يهدد الحوار السياسي».
كما قال عصام الشابي «هناك حرب حقيقية في المواقع الاجتماعية فيها كل الاسلحة المحظورة من تشويه وافتراء ودسائس وحملات منظمة وهي تهدد فعلا الحوار السياسي مشيرا إلى أنّ المجال الافتراضي فقد نوعا من المصداقيّة لدى التونسي ما بعد الثورة وانقلب بعد أن ساهم في الثورة إلى ساحة تصفية حسابات ممّا أفقده مصداقيته وموضوعيته وتأثيره على الحياة العامة.
وأكّد الشابي أنّ الوضع وصل إلى مرحلة عدم القدرة على السيطرة في القريب العاجل وما يمكن الاتفاق عليه، بحسب قوله، هو جلوس الفاعلين السياسيين على طاولة الحوار.
وصرّح أنّ مبادرة الحوار الوطني التي تقدّم بها اتحاد الشغل يمكن أن يتم عبرها طرح كيفيّة محاصرة الظاهرة ووضع التزام سياسي لضبط أخلاقيات التنافس في هذا المجال لأنّ المتضرر الحقيقي منها هي الطبقة السياسيّة والتي أصبحت مشوّهة لدى الرأي العام التونسي وبالتالي لا بدّ من الاتفاق على هدنة في استعمال الاسلحة المحظورة والعودة إلى الحوار السياسي الذي يعني المواجهة بالفكرة وبالمشروع البديل والرأي والرأي المخالف فأفضل طريق للتنافس هو معالجة الملفات الوطنيّة لأنّ الخاسر الأكبر هي الطبقة السياسيّة.
محمد بنّور الناطق الرسمي باسم حزب التكتل (الترويكا)
«بات واضحا اليوم أنّ التجمعيين بعد فترة من الخوف من التتبعات رفعوا رؤوسهم ورجعوا يطالبون بشرعيتهم في قيادة البلاد من جديد. كان هذا ردّ محمد بنّور، الناطق الرسمي باسم حزب التكتل، عن سؤالنا حول سبب الانزلاق بالصراع السياسي في تونس خارج مربع الأخلاق والتنافس الشريف إلى التشويه وهتك الأعراض. واضاف بنّور «نحن لا نريد حوار الصم نريد حوارا مسؤولا فإن كان الهدف من الحوار هو القضاء على الشرعية الانتخابية هذا غير ممكن فنحن مع الحوار الذي يحقّق أهداف الثورة ونحن لسنا مع الانتقام والتشفّي نحن مع الحوار الجدّي للخروج من هذا الكيل بالاتهامات المغرضة».
كما قال «مبادرة اتحاد الشغل تنطلق من ارادة صادقة من اجل الخروج من المأزق وما نعتقده هو أنّ الاتحاد الذي ساهم في الثورة سيعمل على تحقيق أهدافها بالقطع مع الماضي وفي اخراج منظومة الاستبداد من اللعبة السياسيّة لأنها ساهمت في انهيار الدولة وانهيار هيبة الدولة فنظام بن علي وكل من ساعد بن علي أفلس منذ 14 جانفي الماضي».
وقال ايضا «ليس لنا حوار مع التجمّع ولن نخون الثورة فهي التي طالبت بحل التجمّع». وأكّد بنّور أنّ أصحاب المصالح واصحاب الامتيازات ومهندسي الثورة المضادة هم من ينهشون أخلاقيات العمل السياسي.
مصطفى الفيلالي : سياسي سابق وعضو المجلس القومي التأسيسي (19561959) قال العلاّمة ابن خلدون المتأصّل في الفكر التونسي «السياسة تلزمها الأخلاق» ويضيف مصطفى الفيلالي «الشأن السياسي هو شأن عام ولن يكون السياسي مثالا إلاّ إذا كان ملتزما».
كما قال الفيلالي «في المنعرجات التاريخية تكون الاخلاق رابطة اجتماعية بين الافراد وهي تضعف في الأزمات ويدركها الوهن بسبب التسابق على الحكم. ويرى أن ممثلي الاتجاهات السياسيّة لا يتورعون في الادلاء بالكلام النابي وتقديم المصلحة وبالتالي لم تعد المدينة مدينة فاضلة كما يقول أفلاطون أصبحت مدينة «غلبة». هي فترة عابرة كما يراها الفيلالي ونحن لم نعش مثل هذه الفترات من قبل فالواقع السياسي ما بعد الاستعمار كان خارجا من محنة واحدة هي محنة الاستعمار والفقر والخصاصة والجهل والحرمان.
نسأله أليس الخروج من تحت نظام بن علي خروجا من محنة مشتركة يردّ «فترة بن علي كانت فترة تصحّر سياسي وثقافي ولم يكن الرجل مثقفا ولديه خطب مراسميّة وهو استثناء في تاريخ تونس لكن في اعتقادي الشخصيّة التونسية كما وصّفها بشير بن سلامة والمنصف ونّاس تتزلزل قليلا في العقبات ثمّ تعود إلى نصابها وهي شخصيّة معتدلة ووسطيّة وهذه الفترة هي حقيقة استثنائية ولابدّ من العودة بالسياسية الى مربّع الاخلاق في انتظار تجاوز العقبتين عقبة صياغة الدستور الجديد فهو نص الاحتكام فيما بيننا وعقبة الاختيارات الكبرى وهي الانتخابات القادمة.
قال ايضا «نحن لم نتخاصم من قبل حول الدين وحول مذهبنا المالكي منذ فترات الامام سحنون ومحمد ابن غانم وعلي بن زياد وليس هناك ما يدعو الى الخصام حول الدين والسلفيين في حدّ ذاتهم، وهم ظاهرة صوتيّة، يجب أن يعلموا أن المسلم ليس رجل أمن يأمر الناس هو أوسع من ذلك ولو طالع هؤلاء مقاصد الشريعة وموافقات الشاطبي حول مقاصد الشريعة لحصلت لديهم المعرفة وحينها سيخفّضون من درجة غلّوهم والايمان في القلب ولا يقاس بقصر القميص أو طول اللحية وأنا حقيقة أتأسّف للمنقبة.
ويُبقي مصطفى الفيلالي على تفاؤله بخصوص مستقبل البلاد قائلا «أنا مطمئن على مستقبل البلاد رغم ما يحدث من انحطاط للفكر السياسي وانتشار للمراهقة السياسية». كما نصح الفيلالي الفاعلين السياسيين بالتفكير في مصلحة الوطن أوّلا قائلا «هذا الامر صعب لكن لا بدّ منه يجب أن يدرك هؤلاء الساسة أنهم بصدد خدمة الشعب وليس الاحزاب وكل مسؤول من موقعه».