بعد أن توحّدت قاعدة العمل السياسي بين مختلف التيارات والإيديولوجيات الناشطة في الساحة الوطنية قبل 14 جانفي على مبدإ مكافحة النظام السابق وحزب التجمع, فقد شهدت الساحة الوطنية في الآونة الأخيرة تحوّلا اخذ في طابعه ما يشبه العنف المباشر بين اطراف حزبية كانت تجمعها وحدة النضال والهدف . وشكلت حادثة الاعتداء على إحدى مناضلات الحزب الديمقراطي التقدمي من قبل عنصر من حركة النهضة - وذلك حسب ما ذكرته جريدة الموقف - ناقوس خطر حول العلاقات المستقبلية بين الأحزاب ونقط استفهام حول وجهة الصراع . وهو ما يطرح أكثر من سؤال اهمها هل باتت هذه التحولات مؤشرا لعودة العنف السياسي؟ وما هي الأطراف التي تسعى إلى ذلك ؟ وما هي السبل الكفيلة لإعادة الأمور إلى نصابها والتفكير في تونس قبل المناصب ؟ استيعاب المرحلة دعا الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي حمة الهمامي جميع الاطراف إلى الكف عن الصراعات الجانبية والتركيز على المسائل التي تهم امهات القضايا السياسية في البلاد كمحتوى الدستور القادم وغيره من الامور ذات الصلة بالرقي بالشعب . وقال الهمامي أن الصراعات يجب أن ترتبط بالمشاريع والتفكير الجدي في مستقبل تونس سيما وان الصراعات الجانبية لا تخدم القضايا الوطنية كما انها لا تساعد الراي العام على استيعاب المرحلة . واضاف الهمامي إلى أن التونسيين يشوبهم القلق حول التطور السريع في عدد الاحزاب التي ناهز عددها الثمانين حزبا فمابالك أن يدخل جلها في صراعات هم في غنى عنها. النفوذ..و مصادر التمويل ومن جهته اكد عضو المكتب السياسي لحزب الطليعة العربي احمد الصديق على وحدة الهدف الذي تمثل ولحد 14 جانفي في إسقاط النظام السابق وتفكيك منظومته السياسية ومن الطبيعي أن تظهر اليوم التباينات بين كل الاحزاب وفقا لاهدافها وبرامجها . واضاف الصديق انه لا يخفى على احد أن الاطراف التي كانت تعادي بشراسة الحزب الحاكم سابقا نراها اليوم تغازل بقاياه رغم تمسك البعض الآخر بإنهاء النظام بشكل كامل فمجرد التباين في هذا الجزء كفيل بإذكاء جذوة الصراع بين المتنافسين على بقايا النظام في مواقع نفوذ جهوية ومصادر تمويل أضحت معلومة للجميع. واستنتج الصديق أن قادم الايام سيشهد مزيدا من الحدة في التنافس في هذا المنحى وقال انه من المؤسف فعلا أن المال السياسي الذي ياتي جانب منه من الخارج امام صمت الحكومة المؤقتة وانخراط الإعلام المرئي في ذلك يجعل المشهد السياسي محكوم بخصومات كلامية لا تتناول عمق المسائل التي يحتاجها النقاش الجدي التي من المفترض أن تكون قاعدة التنافس. وادان الصديق اي شكل من اشكال العنف معبرا في ذات الاطار عن التزام حزب الطليعة العربي بقواعد العمل السياسي النظيف واخلاقياته رغم حالة الاقصاء التي يشهدها الحزب سيما في المشهد المرئي. ادوار جديدة ومن جهته اعتبر الامين العام لحزب المستقبل من اجل التنمية سميح السحيمي أن بلادنا عاشت فترة طويلة من الانغلاق السياسي حتمتها سياسة الحزب الواحد والزعيم الاوحد لذلك انحسر دور الاحزاب سواء المعترف بها او التي كانت تنشط خارج الاطر القانونية في مقاومة رموز الاستبداد المعنوي منها ممثلة في الحزب المنحل او الطبيعي منها ممثلة في الرئيس المخلوع . وأضاف السحيمي " أن ثورة 14 جانفي أنهت الاحتكار السياسي وأصبحنا نشهد تسابق من اجل تبوّؤ مناصب سياسية وهو ما غذى المشهد وحوّله إلى صراع في محاولة إلى عزل هذا الطرف او ذاك." وخلص المتحدث إلى " أن بلادنا لم تكتسب بعد آليات جديدة في الممارسة السياسية لأنها تنحدر من مناخ سياسي قديم وبال ومتعفن ". وعن إمكانيات الخروج من هذه الوضعية الجديدة قال السحيمي " انه لا بد أن نخرج من العصر الجوراسيكي الذي تحكمه الديناصورات و أدعو إلى أن يكون الدور الريادي للشباب الذي بيّن انه قادر على صنع غد أجمل ". أحزاب " ثورية " وفي ذات السياق يقول الناطق الرسمي باسم حزب الوطن احمد بوعجيلة أن تونس تعيش كثيرا من الحرية ولا توجد بها ديمقراطية و مؤيداته في ذلك أن كل حزب يخاطب من يشاء وكيف ما اتفق له ذلك لكن الديمقراطية كممارسة تغيب عنهم وهي التي من الواجب أن تتوفر على قاعدة أخلاقية وقانونية وقيمية والاعتراف بالأخر المختلف والحوار بالوسائل السلمية بعيدا عن أي عنف ممكن. وبين بوعجيلة أن الأحزاب " الثورية " تحاول الاستفادة من المناخ الثوري للوصول إلى أهدافها بواسطة استعمال وسائل و أدوات مختلفة منها منع أطراف سياسية من القيام بأنشطتها وتوظيف أناس لأجل القيام بهذا الفعل بالإضافة إلى التشويه الذي يمارس ضد الخصوم السياسيين وهو نوع من العنف المستعمل الذي لا يقل خطورة عن العنف المباشر. أطراف دخيلة وقال الكاتب العام لحركة " النهضة "بجهة صفاقس عارف معالج " أن توحد الأحزاب في وجه الدكتاتورية كان نتيجة الخطر الداهم الذي كان يمثله نظام بن علي وانه وعلى اثر سقوط الرئيس المخلوع حاولت الأحزاب التموقع داخل الساحة السياسية وهو ما ولد نوعا من التنافس الذي غلبت عليه الحماسة في كثير من الأحيان. وبخصوص ما عرفته الايام الأخيرة من أحداث دعا معالج جميع الأحزاب إلى الترفع عن المناوشات والتشنج نظرا لخطورة المرحلة التي تعيشها البلاد والمساهمة جميعا في دفع السلم الاجتماعي والقبول باللعبة الديمقراطية و بالنتائج التي سيقررها الشعب. واتهم معالج أطرافا وصفها " بالدخيلة " بالسعي إلى إذكاء نار الفتنة بين الأحزاب كما انه لم ينف في ذات السياق حالة القلق التي بدأت تنتاب عددا من الأحزاب نتيجة الشعبية التي يسجلها هذا الحزب أو ذاك. المنعرج الخطير وبين عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي عصام الشابي انه من الطبيعي أن تتنافس الاحزاب من اجل التعريف بهوياتها وبرامجها بعد أن توحدت على قاعدة مناهضة الدكتاتورية وتوسيع الحريات. واعتبر الشابي أن اشتداد التنافس ومحاولة البعض تسجيل نقاط على حساب الاحزاب الاخرى قد ادى في كثير من الاحيان إلى حالة من الانحراف السياسي وتجسم في اشكال مختلفة كالعنف اللفظي او المادي بين الاحزاب وهو ما اعتبره المتحدث بمثابة "المنعرج الخطير" على حد قوله. ودعا الشابي الاحزاب إلى الوقوف في وجه هذه الظاهرة سيما وان عددا منها تعرض لحمالات تشويه وإفشال للتحركات الميدانية .