أسدل الستار يوم أمس (رسميا) على حملة نظافة استمرت ثلاثة أيام. وكانت بحق صرخة فزع ضد ظاهرة مشينة وكانت وما تزال تمثل وصمة عار في جبين البلاد والعباد ممثلة في أكوام النفايات التي غمرت الشوارع والساحات في مشهد مقرف وخطير في نفس الوقت. فلقد حدث في مجال النظافة والبيئة انفلات شامل بدأ بتقاعس النيابات الخصوصية وأعوان النظافة والهياكل والادارات المعنية، وانتهى بتسيّب المواطن وتحلّله من كل الضوابط الدينية التي تجعل النظافة من الإيمان والأخلاقية التي يفترض أن تجعل الواحد منا يحافظ على نظافة محيطه كما يحافظ على نظافة بيته... وكذلك من الضوابط القانونية التي يفترض أن تزجر مثل هذه السلوكات الضارة بالبيئة وبالمحيط والمفرّخة للآفات والأمراض والأوبئة.
كيف وصلنا الى هذا المستنقع؟ ولماذا سكتنا كل هذا الوقت؟ سؤالان يبقيان برسم المواطن التونسي الذي خلط بين الثورة والتمرّد على النظم والقوانين والتقاليد والضوابط وبين الحرية والفوضى... وبرسم الحكومة والأجهزة والدوائر المعنية التي أبدت كل هذا الصمت وكل هذه اللامبالاة ما جعل أكوام الزبالة والنفايات تصبح مشهدا مألوفا في بلد راهن على التعليم والتحديث منذ أواسط خمسينات القرن الماضي وبلغ درجة من التمدّن تحسدنا عليها أمم وشعوب كثيرة؟
من نتهم ومن ندين وفي أي اتجاه نرمي الكرة؟ كل هذه أسئلة لم تعد تجدي في هذه المرحلة... والمطلوب حالا هو القطع نهائيا مع سلبية ولا مبالاة الماضي وتفعيل عمل الاجهزة وتوعية المواطن بعبثية هذا السلوك الذي انخرط فيه التونسيون في مشهد يوحي وكأننا بتنا نتلذذ بجلد أنفسنا بهذه المظاهر المشينة والمخجلة والتي يفترض أننا ودعناها منذ زمن طويل.
سوف لن يجدي مستقبلا الحديث عن امكانيات شحيحة ووسائل غير متوفرة، ولا عن حملات رسمية ولا شعبية... المطلوب هو تحويل هذا الجهد الى سلوك يومي متواصل من المواطن ومن المسؤول... والمطلوب هو تذكير المخالفين والمتقاعسين بأن هناك قوانين تردع. فإلى أين يمكن أن نتطلّع في بناء تونسالجديدة... إذا كنا نصر على أن تبقى أقدامنا غارقة في النفايات؟