في المهدية معالم تاريخية وآثار تدل على عراقة هذه المدينة وما تميّز به تاريخها من ازدهار حضاري وثقافي وأدبي كبير. لقد كانت عاصمة لأفريقية بل لكامل بلاد المغرب العربي والمشرق حينما فتحت مصر على يدي جوهر الصقلي، وامتد سلطان المهدية من السوس بالمغرب الأقصى الى الحجاز واليمن كما لاحظ المرحوم حسن حسني عبد الوهاب في «ورقات» الجزء الثالث. كانت المهدية أحد المراسي التجارية الفينيقية وتدلّ الآثار التي وجدت في طرف شبه الجزيرة على أنها كانت مرفأ تجاريا مزدهرا. وقد ذكر تيت ليف Tite Live المؤرخ اللاتيني ان حنبعل أبحر منه سنة 169 قبل الميلاد.
وازدهر هذا الميناء في العهد الروماني بفضل موقعه وخصب الاراضي المحيطة به ويبدو أن أهاليه كانوا يشتغلون بالتجارة في المخازن المشرفة على البحر، وكانوا يسكنون حي زويلة الذي كان يعرف باسم «زلاّ» Zella.
أما في العهد البيزنطي فقد تواصل نشاط المدينة غير انه قد ضعف بسبب غزوة الوندال.
واختار الخليفة الفاطمي مؤسس الدولة الفاطمية المهدي بالله أبو محمد عبيد الله المتوفي سنة 322ه والذي بويع له بالخلافة سنة 297ه المكان ليكون عاصمة لخلافته لمناعة الموقع وجماله واطلالته على البحر الابيض المتوسط طلبا للسيطرة عليه واتخاذه من بعد منطلقا لغزواته في المشرق لإقامة الخلافة الفاطمية عوضا عن الخلافة العباسية. وقد سيّر منها ولي عهده أبا القاسم لفتح مصر مرتين الأولى سنة 301 ه ملك فيها الاسكندرية والفيوم وجبر خبر خراجهما وخراج بعض أعمال الصعيد، والثانية سنة 306ه ملك فيها الاسكندرية ايضا.
بدأ بناء المهدية سنة 300ه وكمل السور سنة 305ه وانتقل اليها الخليفة عبيد الله المهدي من رقادة سنة 308ه وكانت لها أرباض كثيرة وكانت تعج بالأسواق والحمامات وبقيت عاصمة للدولة العبيدية الى سنة 334ه حينما انتقل منها المنصور بالله اسماعيل بن القاسم الى عاصمته الجديدة قرب القيروان وهي المنصورية اثر تغلبه على الثاني مخلد ابي زيد بن كيداد النكاري الخارجي المدعو بصاحب الحمار.