إلاّ أن أول ما قام به سحنون حين تولى القضاء أنه أخرج من المسجد الفرق الدينية المتطرفة يقول القاضي عياض وهو أول القضاة فرق أهل البدع من الجامع وشرّد أهل الأهواء منه... وكانوا فيه حلقا يتناظرون به ويظهرون زيغهم، وعزلهم أن يكونوا أئمة للناس أو معلمين لصبيانهم أو مؤدبين وأمرهم ألا يجتمعوا وأدب جماعة منهم بعدما خالفوا أمره، وأطافهم، وتوب جماعة منهم» وجعل في الجامع إماما يصلي بالناس وكان قبل ذلك للأمراء.
ومن مواقف سحنون حين تولى القضا نصرته المرأة فكان يعاقب على الأيمان بالطلاق وذلك بصفع القفا وكان ينهي عن ذلك.
ومن ذلك أنه سبيت نساء من أهل تونس وجيء بهن إلى القيروان فأمر سحنون بخلاصهن كما أمر بإطلاق كل امرأة من مدينة تونس قد اكتشف أنها من السبي وقال: كيف تسبى النساء وهن حرائر كما خلص نساء سبين من الوطن القبلي جمع سحنون مائة رجل من البوادي وأمرهم بأن يهجموا على دار زكروية قائد الأمير ويخلصوا الأسيرات منه.
جاء في كتاب القاضي عياض «المدارك» «فلما صلى بهم المعز ندبهم وقال: تمضون إلى دار فلان فتضربونها عليه فإذا فتح الباب أبلغوه سلامي وقولوا: يقول لك (سحنون): أخرج الحرائر اللائي أتيت بهن من الجزيرة الساعة، ولا تجعلوا له إلى غلق الباب سبيلا لئلا يجتمع هو ومن معه فيدافعونكم ويفضي الأمر إلى إراقة الدماء(...) وأوصاهم بأن يلج سبعة من المشايخ الدار وينادوا: «أين الحرائر المسبيات بالجزيرة يخرجن إلى القاضي؟».
وفي الخبر أن الجماعة قبضوا على القايد وأخرجت النساء وذهب القائد يشتكي إلى الأمير، ودخل عليه وقد شقّ ثيابه ونتف لحيته وأخذ في البكاء وتأثر الأمير بهيئة قائده، فأرسل إلى سحنون برد النساء إلى القائد.
وكان موقف سحنون موقفا باهرا، فأجاب الأمير والله الذي لا إله إلا هو، إن أخرجتهن من داري حتى تعزلني من القضاء وأرسل إليه ابنه محمد بسجل القضاء ليقول له هذا سجلّك، وجعل الله فلانا شفيعك يوم القيامة، فولّى أمور المسلمين من تراه!
وقال الأمير لابن سحنون: اقرأ على أبيك السلام وقل له: «جزاك الله عن نفسك وعنا وعن الإسلام خيرا، فقد أحسنت أولا وآخرا (...) وامض على أحسن نظرك. من أقوال سحنون: لا أحب أن يكون عيش الرجل إلا على قدر ذات يده، ولا يتكلّف أكثر مما في يده، وإن احتاج إلى امرأة طلبها على قدر ذات يده في مؤنتها وقناعتها حتى يبقى في يده ما يستغنى به». ترك الحرام أفضل من جميع عبادة الله، وترك دانق مما حرّم الله أفضل من سبعين ألف حجة. ولد سحنون سنة 160 ه وتوفي في رجب 240ه ورثاه الشعراء منهم عبد الملك بن قطن قال: ولّى لعمري بأرض الغرب قاطبة ميت له البدو والحضّار قد خشعا فاذهب فقيدا حباك الله جنته واحصد من الخير ما قد كنت مزدرعا انتهى