يعاني ميناء الصيد البحري بالمهدية من عديد المشاكل التي أثّرت على الخدمات المقدمة، وعلى مردوديته الاقتصادية، وعلى وضعية مختلف العاملين في القطاع، إضافة إلى تقادم أسطول المراكب الذي لم يتم تجديده منذ ثمانينات القرن الماضي. وبقطع النظر عن التطور الذي سجله إنتاج ميناء المهدية من الأسماك التي تراوحت ما بين 10 آلاف و12 ألف طن خلال السنة المنقضية فإن رقم المعاملات المالية يبقى ضعيفا مقارنة بحجم الإنتاج الذي بقي في حدود 3 مليارات تقريبا موزعة بين الشركة التعاونية الأساسية للصيد البحري (المصرف) و«الهباطة».
هذا الواقع انعكس سلبا على مداخيل سوق الجملة للأسماك لفائدة البلدية التي تدنت إلى حدود 60 ألف دينار دون اعتبار المصاريف السنوية للبلدية البالغة حوالي 46 ألف دينار موزعة على الحيازة والتأجير واستهلاك الماء والكهرباء والصيانة والتنظيف وتوفير الحاويات، إضافة إلى أجور العامل ووكيل المقابيض ومساعديه... لنتساءل ماذا بقى للبلدية من مدخول؟
ومقارنة بمداخيل ميناء طبلبة التي تصل إلى مليار و200 ألف دينار، وميناء الشابة إلى 500 ألف دينار فهل هناك سبيل للمقارنة؟ هذه الوضعية جعلت البلدية تبحث عن طرق أخرى للرفع من المداخيل من ذلك النظر في إمكانية الاتفاق مع وكالة المواني البحرية بالمهدية على أن تتولى الوكالة استغلال السوق وتتمتع البلدية بالمعاليم المتأتية من مختلف مداخيل البيوعات والمراقبة الصحية، أو أن تستخلص البلدية بمفردها مباشرة المعلوم البلدي، لكن هذه العملية تتطلب تضافر جميع جهود الأطراف المتدخلة بالميناء. وحتى تتحسن مردودية ميناء المهدية وترتقي خدماته نحو الأفضل ويستقطب أكثر وكلاء وتشتد به المنافسة يجب تجاوز عديد الإشكاليات والصعوبات لعلّ أبرزها تكثيف الرقابة بهدف منع تهريب الأسماك عبر التقليص في عدد البوابات التي يصل عددها إلى ثماني بوابات حاليا، والاقتصار على بوابة واحدة للمراقبة، وضم الطريق الرابطة بين الميناء القديم والميناء الجديد، إلا أن هذا الإجراء سيواجه إشكالات عقارية تتعلق بالمساحة الحقيقة للملك العمومي للميناء، والعمل على استغلال الإنتاج السمكي الذي يقع إنزاله بالميناء في سوق الجملة للأسماك باعتبار أن أغلب الكميات المنتجة يتم بيعها خارج السوق.. فما فائدة سوق لا يجد فيه البائع والمواطن مبتغاه؟
ومن جهة أخرى فمن المفترض الحدّ من ظاهرة «الإنزال الموازي» والذي يُباع بالسوق التفصيلية للأسماك دون فرز عند العرض للمستهلك وهو ما يمثل ضررا للمنتوج المحلي، وسمعة منتوج مراكبنا.. وهنا ندعو أجهزة المراقبة، وخاصة مصالح وزارة التجارة إلى إيجاد الطرق الكفيلة بمرور الإنتاج بمختلف مسالك المراقبة القانونية، إلى جانب مكافحة ظاهرة الصيد بالكركارة وبيع المنتوج بأسواق بئر القصعة وسوسة، وإعانة أصحاب قرابة 80 وحدة صيد تقليدية تعمل منذ السبعينات للحصول على مراكب جديدة بمراجعة مديونيتهم المتفاقمة سنة بعد أخرى، وإقرار تسهيلات بنكية لفائدتهم تتناسب ووضعيتهم المالية الحرجة، علما وأن ميناء المهدية يفقد كل سنة ما يقارب 4 مراكب صيد بالأضواء، والعمل على صيانة المرافئ الخشبية وتعهد أحواض الميناء وانتشال مراكب الصيد الغارقة بالقاع منذ سنوات.
إن الوضعية المتردية والمزرية للميناء تتطلب تدخلا عاجلا من السلط المسؤولة وفق تصور مستقبلي مدروس يدمجه في محيطه بالمدينة ليستعيد دوره الريادي في تنشيط المنظومة الاقتصادية بالجهة.