في هذا الحوار الذي خص به جريدة «الشروق» يرى الامين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد شكري بلعيد، شأنه شأن بقية القوى المعارضة في البلاد، أن الوضع العام السائد اليوم في تونس مُتوتر جدا ويتطلب تغيير المشهد السياسي بالكامل عبر «حكومة أزمة» تتولى إيصال البلاد إلى موعد الانتخابات القادمة.. بداية بوصفكم احد أطراف المعارضة ، كيف تنظرون إلى المناخ العام السائد حاليا في تونس؟
المناخ العام الحالي هو مناخ ازمة سياسية بالمعنى الكامل و توتر اجتماعي و قلق وعدم استقرار امني سببه غياب افق واضح بالنسبة للتونسي وللنخب وللأحزاب ولكل مكونات المجتمع.. فلا تواريخ مُحدّدة لانتهاء المرحلة الانتقالية الثانية وصياغة دستور وموجبات الدستور الصغير هيئة انتخابات واعلام وقضاء ولا قانون انتخابيا ديمقراطيا.. كل هذا تسبب في انتشار التوتر والتشنج وفي بروز ازمة العنف الخارج عن أية رقابة وعقاب بما أصبح يهدد موقع وارتباطات وعلاقات تونس الدولية في الخارج .
ألا ترون ان الجدل القائم حول انتهاء الشرعية يوم 23 اكتوبر القادم أحد أبرز أسباب هذا المناخ المتقلب؟
إذا تناولنا مسألة انتهاء الشرعية من الناحية القانونية، نُقرّ ان المجلس التأسيسي سيظل شرعيا بالمعنى الانتخابي والقانوني. لكن المسألة أخطر من ذلك ..دعنا اولا نتناول مسألة الشرعية من الناحية الثورية.. في هذا المجال أقول اننا في مرحلة انتقالية ومازلنا في مسار ثوري.. لا يجب ان يغيب عنا أن الشرعية الثورية مازالت قائمة في الشارع، بدليل ان الحراك الاحتجاجي الشعبي في الولايات الداخلية مازال قائما والشعب مازال يعبر عن رفضه لعدة اشياء، مازال يرفض تعيين المسؤولين والولاة ويرفض التهميش والاقصاء.. من ينسى الشرعية الثورية والحراك والاحتجاج الشعبي الاجتماعي مازال لم يفهم الثورة بعد . فالثورة والمسار الثوري لم ينتهيا بانتخابات 23 أكتوبر. والشرعية الثورية ستظل أقوى من كل الشرعيات الاخرى وقادرة على التدخل في أي وقت لتقصي بقية الشرعيات.ومن الناحية السياسية أرى أن المجلس التأسيسي لم ينجز ما كلفه به الشعب عبر التفويض وهو انجاز دستور جديد ديمقراطي يحقق اهداف الثورة .. ولم ينجز التوابع الضرورية لهذا الدستور على غرار القانون الانتخابي .. ولم يركز الهيئات التي تضمن استكمال مرحلة الانتقال الديمقراطي الثانية .. كذلك هذه الحكومة كانت بشهادة كثيرين عنوانا بارزا للفشل السياسي. وعلى هذا الاساس فإن 23 أكتوبر 2012 سيكون موعدا لانتهاء الشرعية السياسية لهذه الحكومة .
وما هو الحل الامثل للخروج من هذا الوضع؟
أمام الوضع السائد اليوم هناك خياران لا ثالث لهما بداية من 23 أكتوبر القادم : اما خيار دفع البلد نحو منزلق العنف والفوضى عبر قوى الثورة المضادة و هذا ما نرفضه جميعا .. أو خيار تجميع كل المكونات حول طاولة حوار وطني جدي لمناقشة المسائل الحساسة أهمها ضبط روزنامة رسمية و معلنة للانتهاء من صياغة دستور ديمقراطي تقدمي ومن صياغة قانون انتخابي ديمقراطي ولانطلاق اعمال هيئات الانتخابات و القضاء والاعلام . كذلك الاتفاق على نمط الحكم السياسي وعلى مفاصل اساسية في الدستور تشكل الحد الادنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومن مدنية الدولة ووحدتها مع المحافظة على المكاسب التي حققها شعبنا على امتداد قرن ونصف ثم يقع الاتفاق في ما بعد على الاداة التي ستدير ما تبقى من المرحلة الانتقالية .
أية أداة ترونها في رأيكم الأفضل؟
في رأيي ، الاداة الافضل لإدارة ما تبقى من فترة انتقالية هي حكومة ازمة أي حكومة صغيرة من 15 وزيرا على الاقصى يقع اختيارهم من بين الكفاءات الوطنية المستقلة المنحازة للوطن وللشعب وللثورة شريطة عدم الترشح في الانتخابات القادمة وان تركز عملها على الملفات الكبرى اساسا الملفات الاجتماعية الحارقة مثل التشغيل وتنمية الجهات الداخلية .. عليها ان تكون حكومة تبعث برسائل أمل إلى المواطنين..هذا يمكن التوافق عليه الا اذا كان هناك من ينوي التعامل مع تونس على أنها « غنيمة حرب «.. يمكن اتحاد كل الارادات من اجل الخروج بتونس من ازمتها الحالية التي تتحمل مسؤوليتها حكومة الالتفاف على الثورة أي حكومة الترويكا .
ألا ترون أن مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل قادرة على توحيد هذه الإرادات للخروج من الازمة ؟
.. هذه المبادرة لا بد من تفعيلها في اسرع الاوقات باعتبارها صدرت عن قوة تجميع و عن حضن للجميع وهو الاتحاد .. نحن مع تفعيل هذه المبادرة وتوسيع نطاقها وايجاد مناخ ايجابي لإنجاحها شريطة ارتباطها بمواعيد زمنية محددة وبجدول اعمال معين ..لما دعا الاتحاد لمبادرته هرول الجميع لمساندتها بالقول ، لكن على أرض الواقع هناك من عمل على تخريبها والتقليل من شأنها رغم انها احدى اهم المبادرات التي يمكن الانطلاق منها للخروج من المأزق السياسي الحالي ..
المستشار السياسي لرئيس الحكومة قال ان أعداء الثورة سينهزمون في الانتخابات المقبلة كما انهزموا في انتخابات 23 أكتوبر وان المعارضة ستفشل عندما تنطلق الماكينة الانتخابية لحركة النهضة ..بماذا تجيبونه ؟
أولا وقبل كل شيء نحن مع تنظيم انتخابات حرة ديمقراطية شفافة طبقا للمعايير الدولية عندئذ فليتنافس المتنافسون وسيقبل الجميع بالنتيجة مهما كانت. أقول لزيتون ان الحديث عن ثقافة «الماكينة الانتخابية» يحيلنا إلى ثقافة الاستبداد و ثقافة حزب السلطة الديكتاتورية المتسلط وإلى ثقافة المال السياسي الفاسد وثقافة شراء ذمم الناس والقِفاف التي تُوزع هنا وهناك.. نحن نريد حملات انتخابية حقيقية عبر برامج واضحة ومشاريع حلول وتصورات وعبر حوار حضاري بين الأحزاب يعطي صورة ايجابية عن النخبة ولا يُقصي أيا كان فقد يوجد في النهر مالا يوجد في البحر.. مبروك على لطفي زيتون «ماكينته» لكن مبروك على تونس نُخبها وتعددها وحياتها الديمقراطية التي ستنجز بسواعد وعقول ابنائها في المستقبل لانها لم تنجز إلى حد الآن.
لو نعد قليلا إلى حادثة اجتياح السفارة الامريكية ، في رأيكم هل كانت حادثة امنية عابرة ؟
لنتفق منذ البداية أن التونسيين كانت لهم من قديم الزمان مواقف من سياسة الولاياتالمتحدةالامريكية و الاحتجاج ضدها ليس بجديد علينا فقد نزلنا سابقا في عشرات المظاهرات ضد العدوان الامبريالي الامريكي وضد سياسات الدمار والاستغلال والنهب والحرب الامريكية .
لكن ما حصل مؤخرا في السفارة الامريكية يندرج في إطار مسار كامل.. ما حصل يندرج في سياق نشر العنف ودفع البلاد نحو منزلق الفوضى ونحو منع التونسيين من حياة ديمقراطية سليمة وادخال لاعبين دوليين في شأننا الداخلي و هذا أمر خطير . بداية المسار كانت بعملية التخويف في الداخل عبر اطلاق أيادي السلفيين ثم انضاف إليه تخويف خارجي دولي فحصل الانفلات . هناك اطراف حركت خيوط كل هذه اللعبة واعتقدت انها ستسيطر عليها لكن حصل انفلات.
الخطورة تكمن عندما نتساءل لمصلحة من حصل ما حصل؟ وهل أن ما حصل يعطي صورة إيجابية عن تونس و عن ثورتها ام صورة هي اشبه بصورة منطقة وزيرستان في باكستان؟ .. طبعا ما حصل كان ضربة كبرى لصورة تونس لان ثورة شعبها شكلت قيمة اخلاقية عالمية احرجت الاعداء وفرضت على اعتى الامبرياليات ان تعترف بالفعالية التاريخية العظيمة لهذه الثورة ..للأسف، ما حصل سوق لهذه الثورة ، بما حملته من ابداع و تنوع وسلمية ومدنية و صبغة شعبية وقيم جديدة ، على انها ثورة لحي وتطرف وسلوك همجي واعتداء ورفض للآخر.. ..كل هذا خلق وسيخلق مناخا من الخوف عبر ايديولوجيا الرجعية والديكتاتورية والاستبداد ...ما حصل جاء في سياق منزلق العنف والفوضى الذي لا يخدم إلا قوى الثورة المضادة لا سيما حكومة الترويكا بالأساس.
بعض احزاب المعارضة تعاني اليوم من ظاهرة العنف الموجه ضدها بشكل يمنعها من التحرك بكل حرية وديمقراطية إلى درجة أنه ثمة فضاءات عمومية و مناطق داخلية و احياء شعبية اصبحت حكرا على جماعات واحزاب معينة و لا يوجد اليوم حزب قادر على عقد اجتماع داخلها؟ فهل يمكن الحديث عن واقع ديمقراطي في ظل ما يحصل؟
لنضع الديمقراطية جانبا فالمسألة أكبر بكثير من الديمقراطية.. فهذه المظاهر تضرب الدولة برمتها وتُقسم الوحدة الوطنية للمجتمع التونسي .. فوجود أحياء أو مناطق أو فضاءات عامة تحت سيطرة قوى خارجة عن نطاق القانون والدولة يعني ان هناك دولة اخرى داخل الدولة وقوانين اخرى مخالفة لتلك السائدة ..
ثانيا مسألة علاقة الفضاء العام بالديمقراطية هو جوهر الحياة الديمقراطية . فالاستبداد يعني مصادرة الفضاء العام لصالح طائفة أو حزب أو شخص أو عائلة أو سلطة في حين انه من المفروض ان يكون هذا الفضاء مفتوحا ومتنوعا ومتعددا اساسه المنافسة غير العنيفة ومقارعة الفكرة بالفكرة و المقترح بالمقترح والبرنامج بالبرنامج وهو ما يسميه علماء الاجتماع السياسي « التنمية السياسية « . وهذا ما يساهم في تكريس المواطنة اعتمادا على قاعدة حق التونسي في الاختيار وهو ما لا يتوفر إذا منعنا بعض القوى السياسية من النشاط في فضاء عمومي .
هذا قد يؤثر من الآن في الانتخابات القادمة أي بلغة أخرى قد يشكل «تدليسا» مسبقا للنتائج الانتخابية، فلماذا لا تفرض الاحزاب ميثاقا على بعضها البعض لتفادي مثل هذه الانزلاقات؟
الاحزاب لم تسكت ولن تسكت ..في هيئة تحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي كنا من مناصري تأسيس عقد او ميثاق او عهد جمهوري الذي من مكوناته الاساسية الالتزام بالتصدي للعنف وقبول قواعد اللعبة الديمقراطية وعدم الغاء الآخر والقبول بالتعدد والتنوع وتنظيم مجموعة قواعد ومبادئ والمحافظة على مكاسب قديمة .. هذا العقد رفضته عدة اطراف ومنها حركة النهضة ، ولم يكن ذلك مجانيا لان قادتها رفضوا آنذاك الارتباط بقواعد الديمقراطية.. وهذا انعكس في توطئة الدستور المقترح..تصوروا توطئة ليست فيها اية اشارة إلى المرجعية الدولية لحقوق الانسان الكونية بل بالعكس تضمنت عبارات فضفاضة وصيغا يمكن ان تنسف غدا كل الفصول الاخرى للدستور .. صحيح اليوم هناك تأسيس لبعض المسائل من الناحية القانونية لكن على مستوى الممارسة (على ارض الواقع) يتم التأسيس للإلغاء عبر الاعتداء على الاحزاب والمثقفين والمبدعين والشخصيات والنساء، فضلا عن عدم التعاطي مع هذا العنف كخطركبير رغم أنه لا يخدم سوى قوى الثورة المضادة على رأسها حكومة الترويكا .
من هو شكري بلعيد ؟ ولد بجبل الجلود في 26 نوفمبر 1964 متزوج وأب لبنتين وزوجته محامية المهنة : محام درس بتونس والعراق وفرنسا النشاط السياسي: كان الناطق الرسمي باسم الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة التونسية ومناضلا صلب الحركة اليسارية وبعد الثورة أسس حزب حركة الوطنيين الديمقراطيين الذي عقد مؤخرا مؤتمرا توحيديا مع حزب العمل الوطني الديمقراطي وتم فيه الاعلان عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ووقع انتخابه أمينا عاما له. إضافة إلى مهنة المحاماة فإن شكري بلعيد مختص في العلوم الفيزيائية.