إذا بحثنا في أكثر المصطلحات شيوعا منذ الثورة فإننا لن نجد مصطلحا ينافس كلمة الفساد، فالجميع يتحدث عن الفساد والفاسدين وعن القضايا والملفات، دون أن نجد تعريفا متكاملا له، فالمشروع غائب تماما عن ايجاد اطار قانوني يتصدى لظاهرة من اخطر الظواهر على الدولة والمجتمع. عندما نبحث في المنظومة القانونية التونسية قبل الثورة، فإننا لا نجد أثرا لكلمة الفساد، بل يعتبر هذا المصطلح غريبا عن الحقل التشريعي القانوني، وكان جزءا من الموسوعة السياسية، عندما كان الحقوقيون والمعارضون يصفون نظام بن علي بالنظام الفاسد، ويصفون أفراد «العائلة المالكة» بالفاسدين. وربّما كان المشرّع يتفادى الحديث عن الفساد الا أن الثورة رفعت شعارا أساسيا من بين شعاراتها وهي محاربة الفساد.
لذلك فإننا لن نعثر على تعريف للفساد قبل نوفمبر 2011. اذ أصدر المشرع التونسي في الفترة الانتقالية الاولى مرسوما اطاريا عدد 120 لسنة 2011 مؤرخ في 14 نوفمبر 2011 يتعلق بمكافحة الفساد. التعريف سوف يتم لأول مرّة في تاريخ تونس تعريف الفساد في الفصل الثاني من نفس المرسوم، اذ يقصد بالفساد «سوء استخدام السلطة أو النفوذ او الوظيفة للحصول على منفعة شخصية، ويشمل الفساد خاصة جرائم الرشوة بجميع اشكالها في القطاعين العام والخاص والاستيلاء على الأموال العمومية والاثراء غير المشروع وخيانة الامانة وسوء استخدام أموال الذوات المعنوية وغسل الأموال» وحسب الفصل الأول من نفس المرسوم فإنه يهدف الى «مكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص وذلك خاصة بتطوير جهود الوقاية منه وتيسير كشفه وضمان تتبع مرتكبيه وردعهم ودعم المجهود الدولي للحد منه وتقليص آثاره والعمل على استرجاع عائداته».
جرائم تحت مظلة الفساد
إذ بالنسبة الى الرسوم عدد 120 فإن الفساد هو عنوان لجرائم الرشوة والاستيلاء على الأموال العمومية والاثراء غير المشروع وخيانة الامانة وسوء استخدام أموال الذوات المعنوية وغسل الأموال.
فهي اذن ستة جرائم، وهي جرائم منصوص عليها سواء في المجلة الجزائية أو في قوانين خاصة، مثل القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الارهاب ومنع غسل الأموال.
اتفاقية دولية
في مستوى التشريع الوطني فإن المشرّع لم يسنّ قانونا حول تجريم الفساد ولكن ضمّن جرائم متعلقة في نهاية المطاف بالفساد ولكن تحت عناوين مختلفة، غير أن على المستوى الدولي فإننا نجد الدولة التونسية مصادقة على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد والتي دخلت حيّز التنفيذ في سبتمبر 2003، الا أن هذه الاتفاقية لم تعط تعريفا للفساد، بل جاءت على مصطلحات ومفاهيم مثل الموظف العمومي، والموظف العمومي الاجنبي وموظف مؤسسة دولية عمومية والممتلكات والعائدات الاجرامية والتجميد والحجز والمصادرة والجرم الاصلي والتسليم المراقب... الا أن الاتفاقية لم تعرّف الفساد.
الاستيلاءات
في مستوى التشريع الوطني، فإن المشرّع التونسي جرّم في الفصل 83 وما بعده من المجلة الجزائية الارشاء والارتشاء ويعرّف جريمة الرشوة بأنها قبول منافع من موظف عمومي دون حق للقيام بفعل له علاقة بوظيفته ويبلغ العقاب في هذه الجريمة عشر سنوات مع خطية تساوي ضعف قيمة الشيء المنتفع به، إلا أن الفصل 84 من نفس المجلة يضاعف العقاب الى عشرين سنة إذا كان الموظف العمومي هو الباعث على الارشاء، أي هو المبادر.
جرائم رموز نظام بن علي
كما نجد جرائم الاستيلاء وتحقيق المنفعة والاضرار بالادارة منصوص على مرتكبيها وعقابها بالفصول 95 و96 و97 وما بعدها من المجلة الجزائية. ويعتبر الفصل 96 من أشهر الفصول القانونية بعد الثورة وهو القانون الذي أحيل بمقتضاه جل رموز نظام بن علي على القضاء وينصّ أساسا على تجريم الموظف العمومي أو شبهه الذي يستغل صفته لاستخلاص فائدة دون وجه حق سواء لفائدة نفسه أو لفائدة غيره او استغلال تلك الصفة للاضرار بالادارة أو مخالفة التراتيب الجاري بها العمل والمنطبقة على تلك العمليات.
ويصل العقاب الى عشرة أعوام سجنا مع خطية مالية تساوي قيمة المنفعة المتحصّل عليها أو المضرّة الحاصلة للادارة. تبييض الأموال ويجرّم القانون التونسي خيانات الموظفين بالاستيلاء على الأموال الموضوعة تحت سلطتهم بمقتضى وظيفهم. وقد سنّ المشرّع التونسي سنة 2003 ما يعرف لدى التونسيين بقانون الارهاب وجاء سياسيا في اطار معاضدة المجهود الدولي لمكافحة الارهاب ومنع غسل الاموال وهو القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرّخ في 10 ديسمبر 2003.
ويعرّف المشرّع في الفصل 62 من هذا القانون جريمة غسيل الأموال، تعريفا وظيفيا وليس ماهويا، اذ «يعد غسلا للأموال كل فعل قصدي يهدف، بأي وسيلة كانت، الى التبرير الكاذب للمصدر غير المشروع لأموال منقولة أو عقارية أو مداخيل متأتية بصفة مباشرة أو غير مباشرة من جنحة أو جناية، ويعتبر أيضا غسلا للأموال، كل فعل قصدي يهدف الى توظيف أموال متأتية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، من جنحة أو جناية، أو الى ايداعها او اخفائها او ادارتها او ادماجها او حفظها او الى المساعدة في ذلك، وتجري احكام الفقرتين المتقدمتين ولو لم ترتكب الجريمة المتأتية منها الأموال موضوع الغسل داخل تراب الجمهورية».
فيما ينص الفصل 63 من نفس القانون على عقاب مرتكب جريمة غسل الاموال بالسجن من عام الى ستة أعوام وبخطية من خمسة آلاف الى خمسين ألف دينار، ويمكن الترفيع في مبلغ الخطية الى ما يساوي نصف قيمة الأموال موضوع الغسل. إلا أن المختصين والحقوقيين يوجّهون انتقادات حادة لهذا القانون وللقوانين المتعلقة بمحاربة الفساد.