جندوبة: سقوط سقف قاعة تدريس وإصابة تلميذين: المستجدات    عاجل/ السفير الامريكي الجديد بتونس يباشر عمله    عاجل/ ترامب يستقبل الشرع في البيت الأبيض    ‌محكمة استئناف باريس تفرج عن ساركوزي تحت رقابة قضائية    بنزرت: البحر يلفظ 5 جثث متحلّلة    الليلة: ضباب بهذه المناطق..    ميزانية 2026: تطور بنحو 10 بالمائة في ميزانية وزارة البيئة    المتلوي: وفاة ستيني بعد إصابته بطلق ناري من سلاحه    قابس: تنظيم أيام صناعة المحتوى الرقمي من 14 الى 16 نوفمبر    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    تحذير شديد من خطورة النوم بالسماعات    الرابطة الثانية: التعادل السلبي يحسم لقاء سبورتينغ بن عروس وسكك الحديد الصفاقسي    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي: كافية الراجحي تتحصل على جائزة البحث العلمي وعملان تونسيان ضمن المُسابقات الرسمية    يوسف بلايلي يُعلن إصابته ويودّع الجماهير برسالة مؤثرة    عاجل: هذا ما جاء في تقرير أمير لوصيف في مواجهة الدربي    عاجل/ وزير التجارة: صابة قياسيّة في زيت الزيتون والتمور والقوارص    ما كنتش باش تتوقعها: مفاجأة عن مسكنات الصداع..!    عاجل-وزارة التربية : 260 مليون دينار لمنحة العودة المدرسية في 2026    هل سيؤدي فوز الرئيس ميلي في انتخابات التجديد إلىتعزيزالإصلاحات في الأرجنتين؟    المهرجان الدولي لفنون الفرجة ببوحجلة: مشاركات من فرنسا والسينغال والمغرب    تقلبات جديدة ..كيف سيكون الطقس طيلة هذا الأسبوع؟..    بداية من 12 نوفمبر: "السنيت" تعرض شقق من الصنف الاجتماعي للبيع في سيدي حسين    في اختصاصات متعدّدة.. تفاصيل انتدابات وزارة التربية لسنة 2026    زهران ممداني...بعيون عربية!!    تحوير جزئي لمسلك خطي الحافلة رقم 104 و 30    عاجل/ النائبة بالبرلمان تفجر فضيحة..    هذه الدولة تبدأ استقبال رسوم حج 2026...وتؤكد على عدم الزيادة    الترجي الرياضي: نهاية موسم "يوسف بلايلي"    سليانة: تقدم موسم البذر بنسبة 30 بالمائة في ما يتعلق بالحبوب و79 بالمائة في الأعلاف    ميزانية التربية 2026: مدارس جديدة، حافلات نقل، وترميم ...شوفوا التفاصيل    عاجل/ طائرات حربية تشن غارات على خان يونس ورفح وغزة..    عاجل: الزّبدة مفقودة في تونس...الأسباب    صالون التقنيات الزراعية الحديثة والتكنولوجيات المائية من 12 الى 15 نوفمبر 2025 بالمعرض الدولي بقابس    أستاذ يثير الإعجاب بدعوة تلاميذه للتمسك بالعلم    بنزرت: وفاة توأم في حادث مرور    عاجل: هبوط اضطراري لتسع طائرات بهذا المطار    الأهلي بطل للسوبر المصري للمرة ال16 في تاريخه    كميات الأمطار المسجّلة خلال ال24 ساعة الماضية    فتح باب الترشح لمسابقة ''أفضل خباز في تونس 2025''    جامعة لكرة القدم تتمنى الشفاء العاجل للاعب ويسيم سلامة    بطولة فرنسا: باريس سان جرمان يتغلب على ليون وينفرد بالصدارة    ''واتساب'' يُطلق ميزة جديدة للتحكم بالرسائل الواردة من جهات مجهولة    علاش فضل شاكر غايب في مهرجانات تونس الصيفية؟    عاجل: غلق 3 مطاعم بالقيروان...والسبب صادم    عاجل: عودة الأمطار تدريجياً نحو تونس والجزائر بعد هذا التاريخ    تونس: 60% من نوايا الاستثمار ماشية للجهات الداخلية    دواء كثيرون يستخدمونه لتحسين النوم.. فهل يرتبط تناوله لفترات طويلة بزيادة خطر فشل القلب؟    أفضل 10 طرق طبيعية لتجاوز خمول فصل الخريف    زيلينسكي: لا نخاف أميركا.. وهذا ما جرى خلال لقائي مع ترامب    محمد صبحي يتعرض لوعكة صحية مفاجئة ويُنقل للمستشفى    عاجل/ فاجعة تهز هذه المعتمدية..    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عميرة علية الصغير ل«الشروق»
نشر في الشروق يوم 04 - 10 - 2012

كيف ينظر المؤرخ لظاهرة عودة التعليم الزيتوني أو الشرعي كما تسميه بعض التيارات في تونس؟ الشروق ألتقت الدكتور عميرة علية الصغير المؤرخ في الجامعة التونسية حول هذا الموضوع الإشكالي.
أحياء التعليم الزيتوني أثار الكثير من الجدل هل ترى جدوى من إحيائه وماهي المخاطر الممكنة على التعليم العمومي؟

العودة للتعليم الزيتوني كمطلب لبعض الحساسيات السياسية والدينيّة وحتى اعتماد هذا الطلب من وزارتي التعليم العالي والتربية وبداية تطبيقه بفتح باكورة مدارس يقال انّها سوف تكون «زيتونيّة» هي في تقديرنا تطبيق لقولة «لا يصلح حاضر المسلمين الا بما صلُح به ماضيهم » وكأنّ ماضيهم كان صالحا !! وهي نظرة ساذجة، أسطوريّة لحقيقة التعليم الزيتوني حتى توحيد التعليم في تونس الاستقلال سنة 1958. لا جدال انّ التعليم الزيتوني في الجامع الأعظم وفي فروعه الكثيرة التي كانت منتشرة داخل البلاد قام بدور ايجابي بتكريس الهويّة العربية الإسلامية للتونسيين عندما كانت تهددهم الحضارة الغازية وساهم هذا التعليم في تكوين المئات من المتخرجين الذين وظفوا في الشؤون الدينية وحتى في التعليم لكن ما لا يعترف به دعاة العودة للتعليم الزيتوني انّ ذاك التعليم كان محلّ نقد ليس فقط من المدرسيّين(المتعلّمين في المدارس الفرنكو عربية وفي المدارس الفرنسية) بل من أبناء الزيتونة ذاتهم وكان الطاهر الحدّاد ومنذ 1928 (في مقاله التعليم الزيتوني وحركة الإصلاح في جامع الزيتونة) ينتقد التعليم في الزيتونة وينعته بالقصور لخلوّه من العلوم الصحيحة وينتقد طرق التدريس فيه المعتمدة على التلقين وإجهاد الحافظة حيث تقتل ملكة التفكير وإعمال العقل وملكة البحث والتجديد حيث يستخلص في إحدى خواطره «نحن نتجه بأعمالنا إلى المجهول لا لنعرفه ولكن لنعبد فيه جهلنا المقدس فنجد ماضينا الجميل كما يجد الإنسان معبوده لأننا لم نفهم حوادثه» وهو ما ينطبق تماما اليوم على من يريدون إحياء تعليم عفا عليه الدّهر. ولو تمّ فعلا ولا نتوقع أن يحصل سوف تكون له عواقب وخيمة على وحدة المجتمع بما انّ تنشئة الأجيال سوف تكون مختلفة وحتى متضاربة وسوف نضحّي بأبرياء كثيرين ضحى بهم أولياؤهم وأولي الأمر بالبلاد وكوّنوهم لزمن غير زمانهم ووضعوهم في طريق الغربة والانفصام. هذا طبعا للخطر المؤكد على وحدة التعليم التي تعتبر إحدى مكاسب تونس والتى ضحى من أجلها التونسيون الكثير.

هذا إضافة الى الخطر الفعلي الذي نتوجّسه حقيقة بعد إمضاء اتفاقية التعاون بين مشيخة جامع الزيتونة وجامعة سعودية من أن يصبح للتعليم الوهّابي موطئ قدم رسمي بتونس ويزيد في حالة التوتر ويفرّخ مدارس «طلابنيّة» في تونس الثورة.

إيقاف التعليم الزيتوني هل كان قرارا سياسيا أم بيداغوجيا املاه تطور العلوم ؟

انّ توقيف العمل بالتعليم الزيتوني سنة 1958 مع توحيد التعليم وإصلاحه تحت الوزير الأديب محمود المسعدي كان في منطق الحركة الوطنيّة ذاتها التي كان مطلب نشر التعليم وتعصيره لازمة لها وإن كان هناك في بداية سنوات الاستقلال تصفية حساب للشق المنتصر في الصراع اليوسفي البورقيبي بمحاولة ضرب الزيتونيين لأنهم كانوا في صف بن يوسف ضدّ غريمه بورقيبة وينسى المنادون بالعودة للتعليم الزيتوني انّ صالح بن يوسف ذاته كان حداثيّا أيضا وكان الأمين للحزب الحر الدستوري الجديد وكان سنة 1951 في صراع هذا الحزب مع الزيتونيين كان قد هدّد بقولته الشهيرة مهدّدا لهم «والله عندما تستقل البلاد سوف أغلق جامع الزيتونة وأضع مفتاحه في متحف باردو» وهو ما لم يفعله بورقيبة في الواقع لأن جلّ مدرسي الزيتونة وحتى المتخرجين منها أُستقطبوا في التعليم في مدارس الاستقلال كمدرّسين وإنّ تعليم مبادئ الدين الإسلامي كانت منوطة بهم. إصلاح التعليم وتوحيده وتحديثه انقذ التعليم في تونس ومنه التعليم الزيتوني وحتى اللغة العربيّة أصبحت أكثر مكانة وأصحّ قواعد وأمتن تكوينا ممّا كانت عليه في الزيتونة.

منظومة التعليم العمومي اليوم مهددة بمخاطر متعددة كيف ترى اصلاح التعليم ؟

إصلاح التعليم في تونس ليس من الهيّن فهو يتطلب جهدا حقيقيا وصادقا من أهل المهنة من رجال التعليم ومن أهل الخبرات العلميّة لانجاز تقييم حقيقيّ لكل المستويات من حيث الهيكلة والبرامج والتأطير والمستخرجات ومستوى الشهائد.. تقييم فعلي وحقيقي لا يجامل ولا يداهن لا المعلّمين ولا المتعلّمين ولا يخضع لتأثيرات القوى الفاعلة لا النقابات ولا السلط السياسيّة. هذا اذا أردنا فعلا انقاذ تعليمنا ممّا سقط فيه وتردى إلى مستويات مخجلة بائنة للعام والخاص. وكرجل تعليم ، شخصيّا لا أرى أصلاحا الا بالتخلص ممّا يسمونه بنظام المدرسة الأساسية في المرحلة الأولى ومنظومة أمد في العالي والعودة إلى حدّ ما لنظام السبعينات مثلا في الارتقاء ولما لا بربط التعليم بحاجيات البناء الاقتصادي والمجتمعي اضافة طبعا وذاك من البديهي باعتماد الأساليب التعليمية الحديثة التي أثبتت جدارتها والاستئناس بأساليب التعليم الناجحة في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا مثلا واعتماد مكتسبات العلم في كل أبعاده واختصاصاته والالتفات للتعليم الذي هو يرتقي بالإنسان لا أن يكوّن منه جاهلا مركّبا.

العلوم الانسانية يتخرج منها كل عام الاف العاطلين عن العمل كيف يمكن اصلاحها حتى تتوفر فرص العمل لخريجيها ؟

التعليم العالي وبالخصوص في اختصاصي العلوم الإنسانية واللغات أصبح بمثابة «رفع لوم» لأبناء الفقراء، حتى لا نقول أنّ الدولة تمنعهم من التعليم العالي وعبارة على جامعات «مستودعات للعاطلين» حيث بينت الدراسات أنّ أبناء الفئات الضعيفة هم من يوجّهون لهذه الاختصاصات ومصير 90 بالمئة منهم هو البطالة. يجب أن تكون للدولة الشجاعة الكافية أن لا توجه شبابا لاختصاصات لا مستقبل لها وأن لا توجه الا العدد الضروري لاحتياجات المجتمع على افتراض أن تكون هناك دراسات مستقبليّة. المجتمع في حاجة لفلاسفة وعلماء اجتماع ونفس وقانونيين ومختصين في اللغات. ..لا عاطلين لا اختصاص ولا كفاءة ولا مستقبل أمامهم.

نحن أساتذة وباحثون في الجامعات التونسيّة نتوجس فعلا خطرا على الحريات الأكادميّة والبحث العلمي لونجح دعاة وضع فصول في الدستور محدّة لحرية الفكر أوضاربة لحرية البحث تحت غطاء «حماية المقدّسات» أو «الدفاع عن الهويّة المحنّطة».. اضافة الى تدخلات التيارات الظلاميّة وتعطيلها للحياة الجامعيّة في عديد المؤسسات الجامعيّة واعتقد انّه من الضروري أن يعي أصحاب القرار كما كلّ الفاعلين أنّ الجامعات والبحث العلمي لن تؤدي نتائج مثمرة ومشرفة دون حرية فعليّة والاّ عدنا بجامعاتنا أكثر إلى الوراء.

مسودة الدستور هل ترقى الى تطلعات التونسيين بعد نقائص دستور 59 ؟

مسودة الدستور لم اطلّع عليها في تفاصيلها وما قرأت من بعض فصولها رأيي فيها هوانّ أصحابها أرادوا أن تكون ك«سفينة نوح» فيها «من كلّ جوزين اثنين» وهي في رأيي لا تعكس حقيقة الزلزال الذي عرفته تونس وكثير من فصولها مفخخة كما كان دستور 1959. إضافة الى اللخبطة التي اكتشفناها لاحقا وهي انّ المقرر للدستور تحايل في عرض ما اتفقت عليه اللجان في المجلس التأسيسي وتصرّف حسب انتمائه النهضوي وكأنّ الأمر «لعبة صغار» في روضة. وتوجسي انّ الغالبين في المجلس التأسيسي من حزب النهضة ليس لهم الوعي الكافي ولا الكفاءة المطلوبة لوضع دستور لثورة الكرامة والتي من الثابت انّهم ركبوها دون أن يشاركوا فيها. يبقى نجاحنا في صياغة دستور لدولة مدنيّة وديمقراطيّة واجتماعيّة حريّ بثورة الكرامة جهد كلّ الصادقين من هذا الوطن العزيز لا محترفي التكسّب والوصوليّة ولو على حساب الشهداء والوطن.
حوار نور الدين بالطيب
أحياء التعليم الزيتوني أثار الكثير من الجدل هل ترى جدوى من إحيائه وماهي المخاطر الممكنة على التعليم العمومي؟
العودة للتعليم الزيتوني كمطلب لبعض الحساسيات السياسية والدينيّة وحتى اعتماد هذا الطلب من وزارتي التعليم العالي والتربية وبداية تطبيقه بفتح باكورة مدارس يقال انّها سوف تكون «زيتونيّة» هي في تقديرنا تطبيق لقولة «لا يصلح حاضر المسلمين الا بما صلُح به ماضيهم » وكأنّ ماضيهم كان صالحا !! وهي نظرة ساذجة، أسطوريّة لحقيقة التعليم الزيتوني حتى توحيد التعليم في تونس الاستقلال سنة 1958. لا جدال انّ التعليم الزيتوني في الجامع الأعظم وفي فروعه الكثيرة التي كانت منتشرة داخل البلاد قام بدور ايجابي بتكريس الهويّة العربية الإسلامية للتونسيين عندما كانت تهددهم الحضارة الغازية وساهم هذا التعليم في تكوين المئات من المتخرجين الذين وظفوا في الشؤون الدينية وحتى في التعليم لكن ما لا يعترف به دعاة العودة للتعليم الزيتوني انّ ذاك التعليم كان محلّ نقد ليس فقط من المدرسيّين(المتعلّمين في المدارس الفرنكو عربية وفي المدارس الفرنسية) بل من أبناء الزيتونة ذاتهم وكان الطاهر الحدّاد ومنذ 1928 (في مقاله التعليم الزيتوني وحركة الإصلاح في جامع الزيتونة) ينتقد التعليم في الزيتونة وينعته بالقصور لخلوّه من العلوم الصحيحة وينتقد طرق التدريس فيه المعتمدة على التلقين وإجهاد الحافظة حيث تقتل ملكة التفكير وإعمال العقل وملكة البحث والتجديد حيث يستخلص في إحدى خواطره «نحن نتجه بأعمالنا إلى المجهول لا لنعرفه ولكن لنعبد فيه جهلنا المقدس فنجد ماضينا الجميل كما يجد الإنسان معبوده لأننا لم نفهم حوادثه» وهو ما ينطبق تماما اليوم على من يريدون إحياء تعليم عفا عليه الدّهر. ولو تمّ فعلا ولا نتوقع أن يحصل سوف تكون له عواقب وخيمة على وحدة المجتمع بما انّ تنشئة الأجيال سوف تكون مختلفة وحتى متضاربة وسوف نضحّي بأبرياء كثيرين ضحى بهم أولياؤهم وأولي الأمر بالبلاد وكوّنوهم لزمن غير زمانهم ووضعوهم في طريق الغربة والانفصام. هذا طبعا للخطر المؤكد على وحدة التعليم التي تعتبر إحدى مكاسب تونس والتى ضحى من أجلها التونسيون الكثير. هذا إضافة الى الخطر الفعلي الذي نتوجّسه حقيقة بعد إمضاء اتفاقية التعاون بين مشيخة جامع الزيتونة وجامعة سعودية من أن يصبح للتعليم الوهّابي موطئ قدم رسمي بتونس ويزيد في حالة التوتر ويفرّخ مدارس «طلابنيّة» في تونس الثورة.
إيقاف التعليم الزيتوني هل كان قرارا سياسيا أم بيداغوجيا املاه تطور العلوم ؟
انّ توقيف العمل بالتعليم الزيتوني سنة 1958 مع توحيد التعليم وإصلاحه تحت الوزير الأديب محمود المسعدي كان في منطق الحركة الوطنيّة ذاتها التي كان مطلب نشر التعليم وتعصيره لازمة لها وإن كان هناك في بداية سنوات الاستقلال تصفية حساب للشق المنتصر في الصراع اليوسفي البورقيبي بمحاولة ضرب الزيتونيين لأنهم كانوا في صف بن يوسف ضدّ غريمه بورقيبة وينسى المنادون بالعودة للتعليم الزيتوني انّ صالح بن يوسف ذاته كان حداثيّا أيضا وكان الأمين للحزب الحر الدستوري الجديد وكان سنة 1951 في صراع هذا الحزب مع الزيتونيين كان قد هدّد بقولته الشهيرة مهدّدا لهم «والله عندما تستقل البلاد سوف أغلق جامع الزيتونة وأضع مفتاحه في متحف باردو» وهو ما لم يفعله بورقيبة في الواقع لأن جلّ مدرسي الزيتونة وحتى المتخرجين منها أُستقطبوا في التعليم في مدارس الاستقلال كمدرّسين وإنّ تعليم مبادئ الدين الإسلامي كانت منوطة بهم. إصلاح التعليم وتوحيده وتحديثه انقذ التعليم في تونس ومنه التعليم الزيتوني وحتى اللغة العربيّة أصبحت أكثر مكانة وأصحّ قواعد وأمتن تكوينا ممّا كانت عليه في الزيتونة.
منظومة التعليم العمومي اليوم مهددة بمخاطر متعددة كيف ترى اصلاح التعليم ؟
إصلاح التعليم في تونس ليس من الهيّن فهو يتطلب جهدا حقيقيا وصادقا من أهل المهنة من رجال التعليم ومن أهل الخبرات العلميّة لانجاز تقييم حقيقيّ لكل المستويات من حيث الهيكلة والبرامج والتأطير والمستخرجات ومستوى الشهائد.. تقييم فعلي وحقيقي لا يجامل ولا يداهن لا المعلّمين ولا المتعلّمين ولا يخضع لتأثيرات القوى الفاعلة لا النقابات ولا السلط السياسيّة. هذا اذا أردنا فعلا انقاذ تعليمنا ممّا سقط فيه وتردى إلى مستويات مخجلة بائنة للعام والخاص. وكرجل تعليم ، شخصيّا لا أرى أصلاحا الا بالتخلص ممّا يسمونه بنظام المدرسة الأساسية في المرحلة الأولى ومنظومة أمد في العالي والعودة إلى حدّ ما لنظام السبعينات مثلا في الارتقاء ولما لا بربط التعليم بحاجيات البناء الاقتصادي والمجتمعي اضافة طبعا وذاك من البديهي باعتماد الأساليب التعليمية الحديثة التي أثبتت جدارتها والاستئناس بأساليب التعليم الناجحة في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا مثلا واعتماد مكتسبات العلم في كل أبعاده واختصاصاته والالتفات للتعليم الذي هو يرتقي بالإنسان لا أن يكوّن منه جاهلا مركّبا.
العلوم الانسانية يتخرج منها كل عام الاف العاطلين عن العمل كيف يمكن اصلاحها حتى تتوفر فرص العمل لخريجيها ؟
التعليم العالي وبالخصوص في اختصاصي العلوم الإنسانية واللغات أصبح بمثابة «رفع لوم» لأبناء الفقراء، حتى لا نقول أنّ الدولة تمنعهم من التعليم العالي وعبارة على جامعات «مستودعات للعاطلين» حيث بينت الدراسات أنّ أبناء الفئات الضعيفة هم من يوجّهون لهذه الاختصاصات ومصير 90 بالمئة منهم هو البطالة. يجب أن تكون للدولة الشجاعة الكافية أن لا توجه شبابا لاختصاصات لا مستقبل لها وأن لا توجه الا العدد الضروري لاحتياجات المجتمع على افتراض أن تكون هناك دراسات مستقبليّة. المجتمع في حاجة لفلاسفة وعلماء اجتماع ونفس وقانونيين ومختصين في اللغات. ..لا عاطلين لا اختصاص ولا كفاءة ولا مستقبل أمامهم.
نحن أساتذة وباحثون في الجامعات التونسيّة نتوجس فعلا خطرا على الحريات الأكادميّة والبحث العلمي لونجح دعاة وضع فصول في الدستور محدّة لحرية الفكر أوضاربة لحرية البحث تحت غطاء «حماية المقدّسات» أو «الدفاع عن الهويّة المحنّطة».. اضافة الى تدخلات التيارات الظلاميّة وتعطيلها للحياة الجامعيّة في عديد المؤسسات الجامعيّة واعتقد انّه من الضروري أن يعي أصحاب القرار كما كلّ الفاعلين أنّ الجامعات والبحث العلمي لن تؤدي نتائج مثمرة ومشرفة دون حرية فعليّة والاّ عدنا بجامعاتنا أكثر إلى الوراء.
مسودة الدستور هل ترقى الى تطلعات التونسيين بعد نقائص دستور 59 ؟
مسودة الدستور لم اطلّع عليها في تفاصيلها وما قرأت من بعض فصولها رأيي فيها هوانّ أصحابها أرادوا أن تكون ك«سفينة نوح» فيها «من كلّ جوزين اثنين» وهي في رأيي لا تعكس حقيقة الزلزال الذي عرفته تونس وكثير من فصولها مفخخة كما كان دستور 1959. إضافة الى اللخبطة التي اكتشفناها لاحقا وهي انّ المقرر للدستور تحايل في عرض ما اتفقت عليه اللجان في المجلس التأسيسي وتصرّف حسب انتمائه النهضوي وكأنّ الأمر «لعبة صغار» في روضة. وتوجسي انّ الغالبين في المجلس التأسيسي من حزب النهضة ليس لهم الوعي الكافي ولا الكفاءة المطلوبة لوضع دستور لثورة الكرامة والتي من الثابت انّهم ركبوها دون أن يشاركوا فيها. يبقى نجاحنا في صياغة دستور لدولة مدنيّة وديمقراطيّة واجتماعيّة حريّ بثورة الكرامة جهد كلّ الصادقين من هذا الوطن العزيز لا محترفي التكسّب والوصوليّة ولو على حساب الشهداء والوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.