انخفاض في جرحى حوادث المرور    مناقشة مقترح النظام الاساسي للصحة    مصطفى عبد الكبير: "معلومات شبه مؤكدة بوجود المفقودين في مركب هجرة غير نظامية غادر سواحل صفاقس الاثنين الماضي، في التراب الليبي"    بوعرقوب: انطلاق موسم الهندي الأملس    مصر تعلن تَأَثّرها بالهجوم السيبراني على مطارات أوروبا    رابطة الأبطال ...الترجي بخبرة الكِبار والمنستير لاسعاد الأنصار    كاس الكنفدرالية: الملعب التونسي يفوز على الجمعية الثقافية نواذيبو الموريتانية 2-صفر    تونس تشارك في بطولة العالم لألعاب القوى لحاملي الاعاقة بالهند من 26 سبتمبر الى 5 اكتوبر ب11 متسابقا    منوبة : انتشال جثتى شقيقين حاولا انقاذ كلبة من الغرق    أولا وأخيرا... سعادتنا على ظهور الأمّهات    تونس ضيف شرف مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي: درة زروق تهدي تكريمها إلى فلسطين    في تظاهرة غذائية بسوسة ...«الكسكسي» الطبق الذي وحّد دول المغرب العربي    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    وزير خارجية ألماني أسبق: أوروبا مجبرة على التفاوض مع تونس بشأن ملف الهجرة    عاجل: إنهيار سقف اسطبل يتسبب في وفاة شاب وإصابة آخر    عاجل: الأمطار تعمّ أغلب مناطق تونس خلال الفترة القادمة    العائلة والمجتمع: ضغوط تجعل الشباب التونسي يرفض الزواج    الكاف.. معرض لمنتوجات المجامع الفلاحية    شبهات فساد تُطيح بموظّفين في بنك الدم بالقصرين: تفاصيل    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    جمال المدّاني: لا أعيش في القصور ونطلع في النقل الجماعي    كل نصف ساعة يُصاب تونسي بجلطة دماغية...نصائح لإنقاذ حياتك!    التيار الشعبي يدعو الى المشاركة في اضراب عالمي عن الطعام دعما لغزة    التنس: تأهل معز الشرقي الى نهائي بطولة سان تروبيه للتحدي    كرة اليد: منتخب الصغريات يتأهل إلى نهائي بطولة افريقيا    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    مسرحية "على وجه الخطأ تحرز ثلاث جوائز في مهرجان صيف الزرقاء المسرحي العربي    "أمامكم 24 ساعة فقط".. كبرى الشركات الأمريكية توجه تحذيرا لموظفيها الأجانب    تحذير هام: تناول الباراسيتامول باستمرار يعرّضك لهذه الأمراض القاتلة    عاجل: وفاة عامل بمحطة تحلية المياه تابعة للصوناد في حادث مرور أليم    هذا ما تقرّر ضد فتاة أوهمت شبّانا بتأشيرات سفر إلى الخارج.. #خبر_عاجل    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    زغوان: غلق مصنع المنسوجات التقنية "سيون" بالجهة وإحالة 250 عاملا وعاملة على البطالة    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    كتائب القسام تنشر "صورة وداعية" للأسرى الإسرائيليين إبان بدء العملية في غزة    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    الاحتلال الإسرائيلي يغتال عائلة مدير مجمع الشفاء في غزة    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    عاجل/ ترامب يُمهل السوريين 60 يوما لمغادرة أمريكا    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية في هذا الموعد    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    "يوتيوب" يحظر حساب مادورو    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    استراحة «الويكاند»    عاجل/ البنك التونسي للتضامن: إجراءات جديدة لفائدة هؤلاء..    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عميرة علية الصغير ل«الشروق»
نشر في الشروق يوم 04 - 10 - 2012

كيف ينظر المؤرخ لظاهرة عودة التعليم الزيتوني أو الشرعي كما تسميه بعض التيارات في تونس؟ الشروق ألتقت الدكتور عميرة علية الصغير المؤرخ في الجامعة التونسية حول هذا الموضوع الإشكالي.
أحياء التعليم الزيتوني أثار الكثير من الجدل هل ترى جدوى من إحيائه وماهي المخاطر الممكنة على التعليم العمومي؟

العودة للتعليم الزيتوني كمطلب لبعض الحساسيات السياسية والدينيّة وحتى اعتماد هذا الطلب من وزارتي التعليم العالي والتربية وبداية تطبيقه بفتح باكورة مدارس يقال انّها سوف تكون «زيتونيّة» هي في تقديرنا تطبيق لقولة «لا يصلح حاضر المسلمين الا بما صلُح به ماضيهم » وكأنّ ماضيهم كان صالحا !! وهي نظرة ساذجة، أسطوريّة لحقيقة التعليم الزيتوني حتى توحيد التعليم في تونس الاستقلال سنة 1958. لا جدال انّ التعليم الزيتوني في الجامع الأعظم وفي فروعه الكثيرة التي كانت منتشرة داخل البلاد قام بدور ايجابي بتكريس الهويّة العربية الإسلامية للتونسيين عندما كانت تهددهم الحضارة الغازية وساهم هذا التعليم في تكوين المئات من المتخرجين الذين وظفوا في الشؤون الدينية وحتى في التعليم لكن ما لا يعترف به دعاة العودة للتعليم الزيتوني انّ ذاك التعليم كان محلّ نقد ليس فقط من المدرسيّين(المتعلّمين في المدارس الفرنكو عربية وفي المدارس الفرنسية) بل من أبناء الزيتونة ذاتهم وكان الطاهر الحدّاد ومنذ 1928 (في مقاله التعليم الزيتوني وحركة الإصلاح في جامع الزيتونة) ينتقد التعليم في الزيتونة وينعته بالقصور لخلوّه من العلوم الصحيحة وينتقد طرق التدريس فيه المعتمدة على التلقين وإجهاد الحافظة حيث تقتل ملكة التفكير وإعمال العقل وملكة البحث والتجديد حيث يستخلص في إحدى خواطره «نحن نتجه بأعمالنا إلى المجهول لا لنعرفه ولكن لنعبد فيه جهلنا المقدس فنجد ماضينا الجميل كما يجد الإنسان معبوده لأننا لم نفهم حوادثه» وهو ما ينطبق تماما اليوم على من يريدون إحياء تعليم عفا عليه الدّهر. ولو تمّ فعلا ولا نتوقع أن يحصل سوف تكون له عواقب وخيمة على وحدة المجتمع بما انّ تنشئة الأجيال سوف تكون مختلفة وحتى متضاربة وسوف نضحّي بأبرياء كثيرين ضحى بهم أولياؤهم وأولي الأمر بالبلاد وكوّنوهم لزمن غير زمانهم ووضعوهم في طريق الغربة والانفصام. هذا طبعا للخطر المؤكد على وحدة التعليم التي تعتبر إحدى مكاسب تونس والتى ضحى من أجلها التونسيون الكثير.

هذا إضافة الى الخطر الفعلي الذي نتوجّسه حقيقة بعد إمضاء اتفاقية التعاون بين مشيخة جامع الزيتونة وجامعة سعودية من أن يصبح للتعليم الوهّابي موطئ قدم رسمي بتونس ويزيد في حالة التوتر ويفرّخ مدارس «طلابنيّة» في تونس الثورة.

إيقاف التعليم الزيتوني هل كان قرارا سياسيا أم بيداغوجيا املاه تطور العلوم ؟

انّ توقيف العمل بالتعليم الزيتوني سنة 1958 مع توحيد التعليم وإصلاحه تحت الوزير الأديب محمود المسعدي كان في منطق الحركة الوطنيّة ذاتها التي كان مطلب نشر التعليم وتعصيره لازمة لها وإن كان هناك في بداية سنوات الاستقلال تصفية حساب للشق المنتصر في الصراع اليوسفي البورقيبي بمحاولة ضرب الزيتونيين لأنهم كانوا في صف بن يوسف ضدّ غريمه بورقيبة وينسى المنادون بالعودة للتعليم الزيتوني انّ صالح بن يوسف ذاته كان حداثيّا أيضا وكان الأمين للحزب الحر الدستوري الجديد وكان سنة 1951 في صراع هذا الحزب مع الزيتونيين كان قد هدّد بقولته الشهيرة مهدّدا لهم «والله عندما تستقل البلاد سوف أغلق جامع الزيتونة وأضع مفتاحه في متحف باردو» وهو ما لم يفعله بورقيبة في الواقع لأن جلّ مدرسي الزيتونة وحتى المتخرجين منها أُستقطبوا في التعليم في مدارس الاستقلال كمدرّسين وإنّ تعليم مبادئ الدين الإسلامي كانت منوطة بهم. إصلاح التعليم وتوحيده وتحديثه انقذ التعليم في تونس ومنه التعليم الزيتوني وحتى اللغة العربيّة أصبحت أكثر مكانة وأصحّ قواعد وأمتن تكوينا ممّا كانت عليه في الزيتونة.

منظومة التعليم العمومي اليوم مهددة بمخاطر متعددة كيف ترى اصلاح التعليم ؟

إصلاح التعليم في تونس ليس من الهيّن فهو يتطلب جهدا حقيقيا وصادقا من أهل المهنة من رجال التعليم ومن أهل الخبرات العلميّة لانجاز تقييم حقيقيّ لكل المستويات من حيث الهيكلة والبرامج والتأطير والمستخرجات ومستوى الشهائد.. تقييم فعلي وحقيقي لا يجامل ولا يداهن لا المعلّمين ولا المتعلّمين ولا يخضع لتأثيرات القوى الفاعلة لا النقابات ولا السلط السياسيّة. هذا اذا أردنا فعلا انقاذ تعليمنا ممّا سقط فيه وتردى إلى مستويات مخجلة بائنة للعام والخاص. وكرجل تعليم ، شخصيّا لا أرى أصلاحا الا بالتخلص ممّا يسمونه بنظام المدرسة الأساسية في المرحلة الأولى ومنظومة أمد في العالي والعودة إلى حدّ ما لنظام السبعينات مثلا في الارتقاء ولما لا بربط التعليم بحاجيات البناء الاقتصادي والمجتمعي اضافة طبعا وذاك من البديهي باعتماد الأساليب التعليمية الحديثة التي أثبتت جدارتها والاستئناس بأساليب التعليم الناجحة في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا مثلا واعتماد مكتسبات العلم في كل أبعاده واختصاصاته والالتفات للتعليم الذي هو يرتقي بالإنسان لا أن يكوّن منه جاهلا مركّبا.

العلوم الانسانية يتخرج منها كل عام الاف العاطلين عن العمل كيف يمكن اصلاحها حتى تتوفر فرص العمل لخريجيها ؟

التعليم العالي وبالخصوص في اختصاصي العلوم الإنسانية واللغات أصبح بمثابة «رفع لوم» لأبناء الفقراء، حتى لا نقول أنّ الدولة تمنعهم من التعليم العالي وعبارة على جامعات «مستودعات للعاطلين» حيث بينت الدراسات أنّ أبناء الفئات الضعيفة هم من يوجّهون لهذه الاختصاصات ومصير 90 بالمئة منهم هو البطالة. يجب أن تكون للدولة الشجاعة الكافية أن لا توجه شبابا لاختصاصات لا مستقبل لها وأن لا توجه الا العدد الضروري لاحتياجات المجتمع على افتراض أن تكون هناك دراسات مستقبليّة. المجتمع في حاجة لفلاسفة وعلماء اجتماع ونفس وقانونيين ومختصين في اللغات. ..لا عاطلين لا اختصاص ولا كفاءة ولا مستقبل أمامهم.

نحن أساتذة وباحثون في الجامعات التونسيّة نتوجس فعلا خطرا على الحريات الأكادميّة والبحث العلمي لونجح دعاة وضع فصول في الدستور محدّة لحرية الفكر أوضاربة لحرية البحث تحت غطاء «حماية المقدّسات» أو «الدفاع عن الهويّة المحنّطة».. اضافة الى تدخلات التيارات الظلاميّة وتعطيلها للحياة الجامعيّة في عديد المؤسسات الجامعيّة واعتقد انّه من الضروري أن يعي أصحاب القرار كما كلّ الفاعلين أنّ الجامعات والبحث العلمي لن تؤدي نتائج مثمرة ومشرفة دون حرية فعليّة والاّ عدنا بجامعاتنا أكثر إلى الوراء.

مسودة الدستور هل ترقى الى تطلعات التونسيين بعد نقائص دستور 59 ؟

مسودة الدستور لم اطلّع عليها في تفاصيلها وما قرأت من بعض فصولها رأيي فيها هوانّ أصحابها أرادوا أن تكون ك«سفينة نوح» فيها «من كلّ جوزين اثنين» وهي في رأيي لا تعكس حقيقة الزلزال الذي عرفته تونس وكثير من فصولها مفخخة كما كان دستور 1959. إضافة الى اللخبطة التي اكتشفناها لاحقا وهي انّ المقرر للدستور تحايل في عرض ما اتفقت عليه اللجان في المجلس التأسيسي وتصرّف حسب انتمائه النهضوي وكأنّ الأمر «لعبة صغار» في روضة. وتوجسي انّ الغالبين في المجلس التأسيسي من حزب النهضة ليس لهم الوعي الكافي ولا الكفاءة المطلوبة لوضع دستور لثورة الكرامة والتي من الثابت انّهم ركبوها دون أن يشاركوا فيها. يبقى نجاحنا في صياغة دستور لدولة مدنيّة وديمقراطيّة واجتماعيّة حريّ بثورة الكرامة جهد كلّ الصادقين من هذا الوطن العزيز لا محترفي التكسّب والوصوليّة ولو على حساب الشهداء والوطن.
حوار نور الدين بالطيب
أحياء التعليم الزيتوني أثار الكثير من الجدل هل ترى جدوى من إحيائه وماهي المخاطر الممكنة على التعليم العمومي؟
العودة للتعليم الزيتوني كمطلب لبعض الحساسيات السياسية والدينيّة وحتى اعتماد هذا الطلب من وزارتي التعليم العالي والتربية وبداية تطبيقه بفتح باكورة مدارس يقال انّها سوف تكون «زيتونيّة» هي في تقديرنا تطبيق لقولة «لا يصلح حاضر المسلمين الا بما صلُح به ماضيهم » وكأنّ ماضيهم كان صالحا !! وهي نظرة ساذجة، أسطوريّة لحقيقة التعليم الزيتوني حتى توحيد التعليم في تونس الاستقلال سنة 1958. لا جدال انّ التعليم الزيتوني في الجامع الأعظم وفي فروعه الكثيرة التي كانت منتشرة داخل البلاد قام بدور ايجابي بتكريس الهويّة العربية الإسلامية للتونسيين عندما كانت تهددهم الحضارة الغازية وساهم هذا التعليم في تكوين المئات من المتخرجين الذين وظفوا في الشؤون الدينية وحتى في التعليم لكن ما لا يعترف به دعاة العودة للتعليم الزيتوني انّ ذاك التعليم كان محلّ نقد ليس فقط من المدرسيّين(المتعلّمين في المدارس الفرنكو عربية وفي المدارس الفرنسية) بل من أبناء الزيتونة ذاتهم وكان الطاهر الحدّاد ومنذ 1928 (في مقاله التعليم الزيتوني وحركة الإصلاح في جامع الزيتونة) ينتقد التعليم في الزيتونة وينعته بالقصور لخلوّه من العلوم الصحيحة وينتقد طرق التدريس فيه المعتمدة على التلقين وإجهاد الحافظة حيث تقتل ملكة التفكير وإعمال العقل وملكة البحث والتجديد حيث يستخلص في إحدى خواطره «نحن نتجه بأعمالنا إلى المجهول لا لنعرفه ولكن لنعبد فيه جهلنا المقدس فنجد ماضينا الجميل كما يجد الإنسان معبوده لأننا لم نفهم حوادثه» وهو ما ينطبق تماما اليوم على من يريدون إحياء تعليم عفا عليه الدّهر. ولو تمّ فعلا ولا نتوقع أن يحصل سوف تكون له عواقب وخيمة على وحدة المجتمع بما انّ تنشئة الأجيال سوف تكون مختلفة وحتى متضاربة وسوف نضحّي بأبرياء كثيرين ضحى بهم أولياؤهم وأولي الأمر بالبلاد وكوّنوهم لزمن غير زمانهم ووضعوهم في طريق الغربة والانفصام. هذا طبعا للخطر المؤكد على وحدة التعليم التي تعتبر إحدى مكاسب تونس والتى ضحى من أجلها التونسيون الكثير. هذا إضافة الى الخطر الفعلي الذي نتوجّسه حقيقة بعد إمضاء اتفاقية التعاون بين مشيخة جامع الزيتونة وجامعة سعودية من أن يصبح للتعليم الوهّابي موطئ قدم رسمي بتونس ويزيد في حالة التوتر ويفرّخ مدارس «طلابنيّة» في تونس الثورة.
إيقاف التعليم الزيتوني هل كان قرارا سياسيا أم بيداغوجيا املاه تطور العلوم ؟
انّ توقيف العمل بالتعليم الزيتوني سنة 1958 مع توحيد التعليم وإصلاحه تحت الوزير الأديب محمود المسعدي كان في منطق الحركة الوطنيّة ذاتها التي كان مطلب نشر التعليم وتعصيره لازمة لها وإن كان هناك في بداية سنوات الاستقلال تصفية حساب للشق المنتصر في الصراع اليوسفي البورقيبي بمحاولة ضرب الزيتونيين لأنهم كانوا في صف بن يوسف ضدّ غريمه بورقيبة وينسى المنادون بالعودة للتعليم الزيتوني انّ صالح بن يوسف ذاته كان حداثيّا أيضا وكان الأمين للحزب الحر الدستوري الجديد وكان سنة 1951 في صراع هذا الحزب مع الزيتونيين كان قد هدّد بقولته الشهيرة مهدّدا لهم «والله عندما تستقل البلاد سوف أغلق جامع الزيتونة وأضع مفتاحه في متحف باردو» وهو ما لم يفعله بورقيبة في الواقع لأن جلّ مدرسي الزيتونة وحتى المتخرجين منها أُستقطبوا في التعليم في مدارس الاستقلال كمدرّسين وإنّ تعليم مبادئ الدين الإسلامي كانت منوطة بهم. إصلاح التعليم وتوحيده وتحديثه انقذ التعليم في تونس ومنه التعليم الزيتوني وحتى اللغة العربيّة أصبحت أكثر مكانة وأصحّ قواعد وأمتن تكوينا ممّا كانت عليه في الزيتونة.
منظومة التعليم العمومي اليوم مهددة بمخاطر متعددة كيف ترى اصلاح التعليم ؟
إصلاح التعليم في تونس ليس من الهيّن فهو يتطلب جهدا حقيقيا وصادقا من أهل المهنة من رجال التعليم ومن أهل الخبرات العلميّة لانجاز تقييم حقيقيّ لكل المستويات من حيث الهيكلة والبرامج والتأطير والمستخرجات ومستوى الشهائد.. تقييم فعلي وحقيقي لا يجامل ولا يداهن لا المعلّمين ولا المتعلّمين ولا يخضع لتأثيرات القوى الفاعلة لا النقابات ولا السلط السياسيّة. هذا اذا أردنا فعلا انقاذ تعليمنا ممّا سقط فيه وتردى إلى مستويات مخجلة بائنة للعام والخاص. وكرجل تعليم ، شخصيّا لا أرى أصلاحا الا بالتخلص ممّا يسمونه بنظام المدرسة الأساسية في المرحلة الأولى ومنظومة أمد في العالي والعودة إلى حدّ ما لنظام السبعينات مثلا في الارتقاء ولما لا بربط التعليم بحاجيات البناء الاقتصادي والمجتمعي اضافة طبعا وذاك من البديهي باعتماد الأساليب التعليمية الحديثة التي أثبتت جدارتها والاستئناس بأساليب التعليم الناجحة في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا مثلا واعتماد مكتسبات العلم في كل أبعاده واختصاصاته والالتفات للتعليم الذي هو يرتقي بالإنسان لا أن يكوّن منه جاهلا مركّبا.
العلوم الانسانية يتخرج منها كل عام الاف العاطلين عن العمل كيف يمكن اصلاحها حتى تتوفر فرص العمل لخريجيها ؟
التعليم العالي وبالخصوص في اختصاصي العلوم الإنسانية واللغات أصبح بمثابة «رفع لوم» لأبناء الفقراء، حتى لا نقول أنّ الدولة تمنعهم من التعليم العالي وعبارة على جامعات «مستودعات للعاطلين» حيث بينت الدراسات أنّ أبناء الفئات الضعيفة هم من يوجّهون لهذه الاختصاصات ومصير 90 بالمئة منهم هو البطالة. يجب أن تكون للدولة الشجاعة الكافية أن لا توجه شبابا لاختصاصات لا مستقبل لها وأن لا توجه الا العدد الضروري لاحتياجات المجتمع على افتراض أن تكون هناك دراسات مستقبليّة. المجتمع في حاجة لفلاسفة وعلماء اجتماع ونفس وقانونيين ومختصين في اللغات. ..لا عاطلين لا اختصاص ولا كفاءة ولا مستقبل أمامهم.
نحن أساتذة وباحثون في الجامعات التونسيّة نتوجس فعلا خطرا على الحريات الأكادميّة والبحث العلمي لونجح دعاة وضع فصول في الدستور محدّة لحرية الفكر أوضاربة لحرية البحث تحت غطاء «حماية المقدّسات» أو «الدفاع عن الهويّة المحنّطة».. اضافة الى تدخلات التيارات الظلاميّة وتعطيلها للحياة الجامعيّة في عديد المؤسسات الجامعيّة واعتقد انّه من الضروري أن يعي أصحاب القرار كما كلّ الفاعلين أنّ الجامعات والبحث العلمي لن تؤدي نتائج مثمرة ومشرفة دون حرية فعليّة والاّ عدنا بجامعاتنا أكثر إلى الوراء.
مسودة الدستور هل ترقى الى تطلعات التونسيين بعد نقائص دستور 59 ؟
مسودة الدستور لم اطلّع عليها في تفاصيلها وما قرأت من بعض فصولها رأيي فيها هوانّ أصحابها أرادوا أن تكون ك«سفينة نوح» فيها «من كلّ جوزين اثنين» وهي في رأيي لا تعكس حقيقة الزلزال الذي عرفته تونس وكثير من فصولها مفخخة كما كان دستور 1959. إضافة الى اللخبطة التي اكتشفناها لاحقا وهي انّ المقرر للدستور تحايل في عرض ما اتفقت عليه اللجان في المجلس التأسيسي وتصرّف حسب انتمائه النهضوي وكأنّ الأمر «لعبة صغار» في روضة. وتوجسي انّ الغالبين في المجلس التأسيسي من حزب النهضة ليس لهم الوعي الكافي ولا الكفاءة المطلوبة لوضع دستور لثورة الكرامة والتي من الثابت انّهم ركبوها دون أن يشاركوا فيها. يبقى نجاحنا في صياغة دستور لدولة مدنيّة وديمقراطيّة واجتماعيّة حريّ بثورة الكرامة جهد كلّ الصادقين من هذا الوطن العزيز لا محترفي التكسّب والوصوليّة ولو على حساب الشهداء والوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.