احتضنت مدينة القيروان صباح الأحد 23 ديسمبر ندوة «الحوار حول الدستور» تحت إشراف لجنة الجماعات المحلية وهيئة الصّياغة والتّأسيس بالمجلس الوطني التأسيسي ومشاركة 150 بين ممثلين عن الأحزاب السّياسيّة والجمعيّات والمستقلّين، وقد ظهرت عدة نقائص شابت الدستور. تم تنظيم هذا الحوار بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة للتنمية وانتقد بعض المشاركين في الحوار تدخل الأممالمتحدة في الشأن التونسي ومحاولة بسط هيمنتها على القرار الوطني واتهموها بسلب الشعب مقوماته الحضارية والدينية.
تهدف النّدوة إلى تشريك المجتمع المدني في صياغة دستور ما بعد الثورة الذي طال انتظاره. ويأتي الحوار تجسيما للمقاربة التشاركية ومن أجل التوصل إلى صياغة توافقية للدستور وفق تصريح أعضاء المجلس التّأسيسي الذين اشرفوا على الحوار (11 نائبا). وقد تم تقسيم المشاركين (150 مشاركا) إلى ورشتي عمل منفصلتين حسب العدد وليس حسب المحاور كما جاء في بلاغ المجلس التأسيسي حول المشاركة.
كما أن شكل توزيع المقاعد لم يكن مطابقا لمفهوم الورشة حيث كان نوّاب التأسيسي يجلسون فوق المنصة بينما كان المشاركون في مقاعد مقابلة ومتوازية. وقد تم تقديم عدد كبير من التدخلات التي انتقدت فصول الدستور وأبوابه. ومن بين المتدخلين مختصون في القانون (محامون) وممثلون عن الأحزاب والجمعيات.
المشاركون ناقشوا مسودة الدستور مع تقديم إقتراحاتهم في تعديل فصول أو إضافة فصول أخرى, حيث رأى جل المشاركين أن مسودة الدستور تحتوي على العديد من النقائص وفصولا عديدة يشوبها الغموض من ناحية الصياغة. حيث أشار أحد المختصين في القانون الدستوري إلي وجوب إقرار الدستور بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان لتحصين هذا الدستور من أي محاولة لضرب هذه الحقوق بطريقة أو بأخرى. كما عبّر آخرون عن استنكارهم لغياب بند دستوري يدين التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وعدم تضمنه لأي حقوق تتعلق بالتنمية وبالمرافق الأساسية مثل الماء أو التجهيزات الرياضية مع تغييب حق الشغل أو حق الفئات غير المحظوظة كالمعوّقين والأطفال وعدم التنصيص على حق في الاكتفاء الذاتي ودعم الابتكار. إضافة إلى تجدد طلب التنصيص على ان يكون الإسلام هو مصدر للتشريع وآخرون تحدثوا عن عدم وضوح شكل نظام الحكم مقابل وجود نزاع حول الصلاحيات بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة.
وتطرق بعض المتدخلين إلى وجود عبارات ومصطلحات لا يجدر تواجدها في الدستور مثل عبارة «تعليمات» وعبارة «جريمة التعذيب» وعبارة «متلبس» مشيرين إلى أنها مصطلحات قانونية. وتحدثت متدخلة لمناقشة قانون «حق الطفل في الصحّة الإنجابية» محذرة «من مثل هذه القوانين التي تمثل خطرا على الأسرة التونسية نظرا لكونها تعطي الحق في الحياة الجنسية للأطفال خارج اطار الزواج». وأشار المتدخلون إلى وجود ثغرات على مستوى الصياغة بما يفتح أبواب التأويل لاحقا. وثغرات في الفصول على غرار الفصل 148 الذي ينص على انه لا يمكن لأي تعديل في الدستور أن ينال من...» في حين أنه حسب قراءة احد المحامين يمكن حذف هذا الفصل بشكل كلي. وانتقدوا الفصول التي تضيق على الحريات وتقييدها بعبارات «المساس بالأمن الوطني وبالحقوق» وعبارات «حسب ما يحدّده القانون».
مشروع (مسوّدة) الدستور الذي عرض على الحوار يتضمن 9 أبواب و149 فصلا. ويعتبرها البعض كثيرة ومطولة. كما أشاروا إلى طول التوطئة ولاحظوا وجود حشو في العبارات.
أعضاء التأسيسي (عن القيروان) وأعضاء اللجان الذين حضروا اكدوا انهم سيرفعون المقترحات في شكل توصيات ليتم مناقشتها في المجلس التأسيسي. وقالوا إنها مقترحات جدية وبناءة وتشير إلى مستوى عال من الوعي. كما وعد عضو «هيئة الصياغة والتنسيق» بعرض جميع الإقتراحات وأكد أن الدستور الجديد سيكون مختلفا تماما عن هذه المسود مشيرا إلى أنه يتم تنقيحها اثر كل حوار في الجهات.
في خاتمة اللّقاء شبه احدهم طابور التسجيل في الحوار بطوابير انتخابات 23 أكتوبر. أما في الأروقة فلم يختف الحديث عن مرتبات النواب وكثرة النفقات والمصاريف التي تكلفها الدستور وتأخر إعداده في المقابل وعن الصراعات الحزبية. وقد تم الحديث عن موعد مارس او افريل 2013 لإعداد الدّستور.
وتم الحديث عن دستور توافقي «تجنبا للوقوع في الاستفتاء عليه». ملاحظة أخيرة هو أن النقاشات سادها الهدوء والحوار بلا تشنج على عكس ما تناقلته بعض الوسائل الاعلامية الوطنية.