استطاع عدد كبير من الشبان كسر حواجز العزلة التي يفرضها واقع المناطق الريفية، من خلال استغلال ثروات الطبيعة وتوظيفها لتوفير مواطن الشغل. وتتحول المعاناة إلى إبداع، لكن الإبداع والمبادرة يحتاجان إلى دعم الجهات المعنية. في منطقة الشواشي التّابعة لمعتمدية حاجب العيون (القيروان) وتحديدا 24 كلم من العزلة والمسالك الريفية الوعرة، استطاعت سعاد التليلي أن تشع من خلال قرية أولاد تليل عبر عملها الحرفي الإبداعي الّذي يجمع بين الصّناعة التقليدية والابتكار واستغلال الطبيعة والتشغيل والتكوين. موادها الأولية الحلفاء وسلاحها عزيمتها وعضدها 15 فتاة يساعدنها في عملها وتهبهن من فكرها وخبرتها فتكوّنهن ويساعدنها في إخراج أجمل المصنوعات التقليدية.
أيديهن المجتمعة وسط غرفة ضيقة صنعت أجمل التحف. وحولت الحلفاء الجافة التي يزخر بها جبل «المغيلة» المجاور، إلى تحف فنية وأثاث تقليدي أصيل. هناك تصنع تحف الزينة وللاستعمال اليومي وأخرى بمثابة منتوج سياحي. وسائلهن تقليدية الى درجة البدائيّة.
تشتري سعاد الحلفاء من جامعيها ثمّ تحول الحلفاء إلى الوان مختلفة حسب الحاجة. تنسج على النول بأيد متشققة. أو تحول إلى ضفائر وسدائل بأنامل صغيرة لكنها مبتكرة. يخالطها الخيط الأبيض الرفيع ويجمع شتاتها قبل أن تتحول بعد تعب وعرق طويل إلى قطع من التحف والمنسوجات التقليدية.
اثر انقطاعها عن الدراسة تعلمت سعاد هذه الحرفة. تحصلت على عديد الشهائد. وتحولت من حرفيّة إلى مبتكرة ثم إلى مكوّنة على يديها يتعلّم 15 فتاة من أقاربها وجيرانها من المنقطعات عن الدراسة بشكل مبكر. ورشتها الصغيرة التي هي اقرب إلى ورشة عائلية تعد أهم مؤسسة مشغلة في المنطقة. وربما هي الوحيدة. فلا مصانع ولا مؤسّسات.
تحصل كل فتاة مقابل تلقيها التكوين على 50 دينارا شهريا هي بمثابة أجرة عمل. وهي لا تكفي جهدهن وتعبهن. ويتحصلن على هذا المبلغ ضمن مشروع التنمية المندمجة. وتأمل سعاد أن يتحسن هذا الأجر أو المنحة. أما بالنسبة اليها فدخلها الوحيد حاليا هي تلك المبتكرات والمصنوعات التي تهدي منها لكل من يزورها شاكرة كل يد مساعدة تمدّ إليها. وتقول إنها تنفق من جيبها الشحيح من أجل شراء الحلفاء وهي لم تتمكن بعد من تسويق منتجاتها المتميّزة.
العزلة الجغرافية للقرية المنخفضة أحد عوامل عدم رواج منتوجها. وتأمل سعاد أن يأتي يوم تتحول فيه قريتها إلى منطقة حرفية. وهي ترى أنّ الفتيات سيصبحن قادرات على فتح ورشات. وما تحتاجه هي حاليا وهن في المستقبل هو ترويج المنتوجات التقليدية الّتي يطلبها السيّاح لكن المسالك وعرة.
الأسعار منخفضة مقارنة بما تنفقه من أموال ومن وقت وجهد وتنتظر دعمها لتوسيع طاقة التشغيل والإنتاج. علما وان المنطقة ليست بها أنشطة فلاحية ولا صناعية. وترى سعاد التليلي انها تساهم في توفير حلول للبطالة علاوة على انها تثمن المنتوج (الغابي) وتطور الموروث الثقافي. وتامل أن تحظى بالاهتمام المطلوب من قبل مصالح الصناعات التقليدية والسّياحيّة والسّلط الجهوية، وقد شاركت في معارض ومسابقات وتظاهرات ثقافية، لكنها تحتاج إلى إشعاع أوسع وهو مساعدتها على تسويق منتوجها ودعمها في توفير المواد الأولية.