حين تلوح بلدة نصر الله التابعة لولاية القيروان من بعيد للقادم إليها تتراءى له غابات زياتين اشراحيل منتصبة وسط البناء منذ القدم تقوم بدورها الطبيعي كرئة يتنفس من خلالها السكان الهواء النقي. الزياتين تؤتي أكلها من زيتها وزيتونها كل حين. يتوارث خيراتها الأبناء من عائلات الحي القديم ولكن حين تقترب أكثر تبدو البلدة هادئة في فترة تعرف البلدات المجاورة لها حركة دؤوبة جراء إقبال الناس على الاحتفاء بموسم جني الزيتون.
وقبل الوصول إلى عينها الرومانية التي كانت منذ زمن قصير تروي قرابة 30 ألف شجرة زيتون من غاباتها تتوقف أمام ساعة الساحة العامة وقد توقفت عقاربها عن العمل وكأنها تعلن توقف الزمن منذ توقفت العين عن السيلان ورغم مجهودات بذلتها الجمعية المائية لتنظيف المجرى الروماني الخاص بالعين وهو عبارة عن قنوات تحت الأرض تمتد من المنبع عند الجبل إلى حد بداية رأس العين في مدخل غابة الزياتين على عمق ينحدر من 40 مترا تقريبا تحت الأرض إلى مستوى السيلان على السطح، مرت سنتان أو أكثر على توقف العين بشكل كلي وتتالت صرخات الأهالي لإنقاذ هذا المعلم بجدواه الاقتصادية ومعماره التراثي كشاهد على عناية القدامى بهندسة المياه الشيء الذي شهد به الكثير من الباحثين الذين كانوا يفدون من حين لأخر من جامعات غربية عديدة لدراسة مدى قيمتها في استقرار الإنسان في هذه الربوع إيذانا ببداية تشكل جذور حضارية راسخة ظلت متواصلة على مدى حقب متعددة تؤذن اليوم أمام توقف تدفق مياهها ببداية تشبه النهايات في أفلام «سارجيو ليوني».
وسرعان ما لاح الأمل لعودة المياه إلى مجاريها من خلال انجاز حفرية عميقة في سفح جبل اشراحيل بلغت نسبة تدفق المياه منها في الثانية (15) لترا إلا أن الجمعية المائية مازالت بحاجة إلى دعم مجهودها لتجهيز هذه البئر ومد القنوات إلى مسافة تبعد بعض الكيلومترات عن غابة الزياتين وقد تكون في حاجة إلى دراسة فنية لتوصيل قنوات الري يقوم بها مكتب مختص. وفي انتظار ذلك تعمل جمعية حماية زياتين نصر الله كرافد لهذه المجهودات من خلال القيام ببعض الدراسات الميدانية سعيا منها لصياغة تصور لاستغلال امثل لهذه الأراضي التي يمكن أن تعود إلى إنتاج الخضر والعلف بالإضافة إلى إنتاج الزيتون وبعض الأشجار المثمرة كالرمان والتين حتى التمور كذلك التين الشوكي بالإضافة إلى مكانية إقامة الباكورات ضمن بيوت مكيفة خاصة بتوفر كاسرات الرياح وحاجة السوق المحلية إلى الخضر وهو عامل يساهم في استقرار اليد العاملة الفلاحية كما يعيد بناء نمط إنتاج الاقتصاد العائلي من خلال استغلال مساحات صغيرة على مستوى إنتاج فلاحي متنوع يطال مواسم السنة ويحقق الاكتفاء الذاتي للعائلة وللسوق كل هذه الجهود والبرامج والتصورات كفيلة بإعادة النسيج الاقتصادي الفلاحي إلى مكانته ولكن غياب التمويلات اللازمة والدراسات ذات الجدوى تعيق هذه المحاولات وتجعل المقترحات المحلية ترتد على واقعها المرير وتتهالك لتعود بالوضع العام إلى أجواء يشوبها الاحتقان في ظل غياب برنامج تنموي متكامل في المنطقة