تحول العثور على منزل للكراء أو عقار للشراء إلى كابوس يعيشه التونسي ويزيد من معاناته اليومية مع «المصروف» وغلاء المعيشة. مازالت بورصة أسعار كراء وشراء المساكن في ارتفاع مستمر لم ينقطع منذ انطلاق الثورة. ويفسر بعض الخبراء في مجال المقاولات والشؤون الاقتصادية هذا الارتفاع بأن أفضل الاستثمارات التي يقوم بها أصحاب الأموال خلال فترة الأزمات هي الاستثمار في مجال العقارات فهي «سلعة» لا يمكن أن تركد ولا أن تتراجع قيمتها حسب البعض..
وتشير بعض إحصائيات معهد الإحصاء إلى ارتفاع تكلفة المساكن لتصل 4.6 بالمائة فيما تصل أحيانا أخرى إلى 3.6 بالمائة أما تكلفة الصيانة فوصلت إلى حوالي 15 بالمائة.
معاناة شهرية
من خلال جولة بين عدد من التونسيين تلوح أزمة السكن كهاجس يومي يعيشه التونسي وتزداد حدته يوما بعد يوم. ويقول منير (موظف) إنه لم يعد قادرا على مجابهة المصاريف اليومية ومطالبة الملاك بالترفيع في سعر الكراء أو مطالبته بالخروج. واعتبر أن وجود جالية من الليبيين الموجودين في تونس زاد من «دلال الملاكة» وجشعهم.
بدورها قالت دليلة (موظفة) أن حلم اكتساب منزل أصبح أكثر صعوبة مع ارتفاع أسعار الكراء وارتفاع المعيشة وغلاء الأسعار وحاجيات الأبناء التي لا تنتهي.. لكنها رغم صدمتها من أسعار المنازل الموضوعة للبيع فهي مصممة على انهاء كابوس الكراء الذي يمتص معظم أجر زوجها شهريا.
وتحدث السيد منتصر(أحد الملاكة) عن أسعار السكن والكراء قائلا إنه وبدوره يقوم بخلاص قروض بنكية ويعاني من غلاء المعيشة. وأضاف بأن المساكن المعدة للكراء هي مورد رزق للملاك وأن ما يربطه بالكراي هو عقد يقبله أو يرفضه .. وأشار إلى وجود طلب مستمر وهو ما يجعل التونسي يزيد في الأسعار «دون رحمة» بالكراي.
وتحدث عدد آخر من الشباب العاملين عن عجزهم عن توفير نسبة التمويل الذاتي المطالبين بها للحصول على قروض السكن. واعتبروا بأن أزمة الشباب أصبحت كبيرة من أجل توفير منزل للكراء والزواج فما بالك بتوفير منزل يقع شراؤه بإمكانيات ذاتية.. ويبقى التعاون بين الزوجين الأمل الوحيد من أجل تحقيق التوازن الأسري.
واتهم عدد آخر من المواطنين الملاكة والمقاولين بالسمسرة والتلاعب بحق المواطن في السكن والحصول على كرامة العيش دون تهديد بالوجود في رحلة بحث مستمرة عن منزل يأوي العائلة. و تذمر مواطنون آخرون بالمتاجرة بحقهم في الكرامة والمسكن.
أزمة ومستهلك
أكدت مصادر مطلعة من منظمة الدفاع عن المستهلك أن أزمة السكن من أبرز الملفات التي ستتم معالجتها في المنظمة. وتحدثت مصادرنا عن معاناة التونسي الذي يضع نصف أجره في الكراء أو في قرض سكني إضافة إلى وجود عبء إضافي ناجم عن غلاء قفته وارتفاع وغلاء المعيشة.
ويعيش ربع التونسيين أي حوالي 23 بالمائة في منازل يتم كراؤها. فيما توجد في المقابل مئات المنازل والعمارات المغلقة والمهملة وغير المستغلة. ويتجاوز سعر الكراء لشقة في حي محترم ال420 دينارا وهي شقق ذات غرفتين وصالون s+2) فمابالك بأسعار الكراء في الأحياء الراقية والتي تتجاوز ال 600 دينار وتصل إلى المليونين بسهولة ..
ويفسر أحد المهندسين المعماريين ارتفاع أسعار الكراء والشراء بارتفاع اسعار مواد البناء من اسمنت وحديد وآجر كما ارتفعت تكلفة اليد العاملة إضافة إلى ارتفاع مقاسم الأراضي المخصصة للبناء.
و يشير الخبراء في المجال الاقتصادي إلى أن الاستثمار في العقارات والذهب هو ما يميز فترات الأزمات حيث يقبل المستثمرون على توظيف أموالهم في أشياء مضمونة وتجارة لا تركد ولا تبور حسب مقاييسهم.
من جهة أخرى وضعت وزارة التجهيز برامج وإجراءات لتحسين السكن الاجتماعي وتسهيل الحصول على منزل لكن شروط بعض المؤسسات العامة للحصول على مسكن تبقى دون انتظارات بعض المواطنين فيما تبقى قائمات الانتظار هاجس آخرين.