السيد علي العريض شخص يستطيع ان يفكّر ولكن الذي يعوزه هو القدرة على تجسيد أفكاره عمليا، حتى أنه ليبدو أحيانا وكأنه يناقض أفكاره، وهو في حواراته (قبل 23 أكتوبر وبعده) كان يمتلك قدرة على تشخيص الأوضاع، وكان وهو يتحدث يتميّز بالطلاقة، وحتى بصناعة الأفكار إلا أنه وبعد أن اضطلع بمهام وزارية تبيّن أن قدرته الفكرية تتجاوز بكثير قدراته العملية. وهو فوق هذا كله شخصية غامضة، لا تصنّف بسهولة، فجديته وصرامته توحيان أنه راديكالي، ولكن خطابه كثيرا ما يوحي بأنه معتدل ووسطي. إنه نفس التناقض الذي يُلمح بين قدرته الفكرية ومحدوديته العملية. وهذه سمة لكثير من الأشخاص الذين بقدر ما يتميّزون بالسباحة العميقة في عوالم التجريد، بقدر ما يرتبكون عند مواجهة الواقع، والغوص في العوالم المادية، فهذا العالم المحسوس يغلبهم، ربما لأنهم يذهبون بعيدا في التأمل والتفكّر، وربما لأن هؤلاء دائمو الشك والريبة، وربما لأنهم سريعو النفور من الوقائع التي تأتي من الواقع على غير ما فكّروا فيه، وعلى عكس ما ذهبوا إليه من خلاصات. لذلك فإن العناد هو سمة أيضا من سمات هذه الشخصيات.
وكان مرور السيد علي العريض بوزارة الداخلية غير سهل بالمرة ففي عهده تمّت إغتيالات سياسية، وهوجمت سفارة الولاياتالمتحدة، ووقع التحرش باتحاد الشغل، ومنعت الأحزاب من عقد اجتماعاتها، وصالت وجالت ميليشيات في وضح النهار وانتشر السلاح وتوتّرت العلاقة مع النقابات الأمنية، أي أن المناخ كلّه أصبح فاسدا ، لا يوحي إلا بالتوتر، ولا يثير في أدنى شيء إلى المناخات الديمقراطية مما جعل تهمة الأحزاب المعارضة له بأنه يتواطأ أو يغضّ الطرف على هذه الأوضاع مدخلا حقيقيا للمطالبة الملحة بضرورة أن يغادر وزارة الداخلية التي قال السيد أحمد نجيب الشابي إنها أصبحت مخترقة في عهده والتي أصبح الحديث عن اختراقها هذه الأيام قناعة لدى شرائح سياسية كثيرة.
إلا ان السيد علي العريض لا يأبه كثيرا لا للوقائع التي حصلت في عهده ولا للتهم الموجهة لوزارته فهو يبرر كل شيء ويرى أن وجوده يحول دون أوضاع أخطر بكثير ويعتقد أنه رجل دولة لم يحالفه بكل بساطة الحظ في بعض المحطات. فقط ليس إلا لذلك هو لا يستقيل بل ويتحمل مسؤوليته عند الشدائد كما ظل دائما يقول وهو لا ينسحب إلا بعد أن يصلح ما وقع من أخطاء هو بالطبع غير مسؤول عن حصولها وإن كان مسؤولا عن ايجاد حلول لها فهذا هو دوره كرجل دولة.
اضافة إلى هذا الذي ورد لا يمثل الآن السيد علي العريض إلا الوجه «الراديكالي» لحركة النهضة فصعوده إلى رئاسة الحكومة إن تم في هذه الظروف يجعل منه حالة «راديكالية» بإستحقاق، وهو ما يتناقض مع ما يطلبه الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون في تونس ومع ما تراكم في تونس من مشاكل عويصة وهو بالنظر إلى جذوره وعلاقاته لا يمتلك رصيدا كبيرا مع الدوائر المالية والاقتصادية إن في الداخل أو في الخارج وهو مع ذلك شقيق رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة وهذا عامل بقدر ما يضيف إلى الحالة «الراديكالية» من عناصر بقدر ما يحيل إلى كلام السيد عبد الفتاح مورو حول تحول النهضة إلى شأن عائلي تدبّر سياساته مجموعات معيّنة وأواصر قربى ومصاهرة.
الملاحظة الأخيرة حول هذا التعيين تتمثل في أن السلطة في تونس سوف تتحول جزافيا لأول مرة في تاريخها الحديث صوب أعماق الجنوب التونسي وتحديدا إلى جنوبه الشرقي فهل أتى هذا التحوّل للقطع مع التوجهات البنفسجية كما قيل في شأن السيد حمادي الجبالي؟