بكل المقاييس لن تكون مهمة حكومة المهندس علي العريض سهلة او يسيرة بل هي مهمة على غاية من الصعوبة والتعقيد، ان لم تكن مهمة تاريخية في اعادة الامور الى نصابها وتوضيح الرؤية وفتح نافذة واسعة للمستقبل الافضل الذي يأتي بالجديد ولا يجتر أخطاء الماضي وسلبياته. من المؤكد ان بلادنا عاشت أزمة خانقة في أعقاب اغتيال الفقيد شكري بلعيد، أزمة كادت تعصف بمسار الانتقال الديمقراطي وتدفع الى فوضى وربما الى ما هو اخطر من ذلك. مرّ شهر على تلك الفاجعة والبلاد تنطلق بحكومة جديدة تحمل آمال كل التونسيين في تجاوز مطبات الاحتقان ومربع الفشل والخيبة الى حيث الأمن والطمأنينة والهدوء ومعالجة ملفات التنمية والمعيشة الحارقة والمرور الى أفق جديد للوفاق الوطني وتعزيز ممهدات المصالحة الوطنية والوحدة بين كل التونسيين والتونسيات. على الحكومة الجديدة، مباشرة اثر استلام مهامها بصفة رسمية، ان تبادر الى قرارات جريئة تقطع مع صيرورة منظومة الفشل التي راكمتها البلاد على مر الأشهر الماضية وأوصلتها الى ما أوصلتها من اختناق وضبابية وسير نحو المجهول، على هذه الحكومة ان تمارس دورها التاريخي الحاسم في تعديل عقارب البوصلة نحو الوجهة الوطنية الصحيحة والجامعة لا المفرقة والمترددة والمرتبكة.
ومن الثابت ان وجود خارطة سياسية وانتخابية واضحة ودقيقة وبرنامج عمل بالاولويات المعلومة في الأمن والاستقرار وإعادة تحفيز الاستثمار وتنشيط مختلف مناحي الاقتصاد يستدعيان إرادة سياسية جريئة وشجاعة في التعويل على مختلف الخبرات والكفاءات التي بإمكانها تنفيذ الخيارات المطلوبة والعاجلة مع تأمين السبل امام حراك سياسي اكثر نضجا وجدية وصدقا بعيدا عن كل الهواجس والمخاوف وفي التصاق تام مع نبض الشارع الذي سئم عراك السياسيين وخصوماتهم ومزايداتهم الحزبية والانتخابية الضيقة. من دروس الأزمة الاخيرة ان يتخطى السياسيون في الحكم والمعارضة معالم الفشل وان يبادروا بصفة عاجلة الى تغليب الشأن الوطني العام على المصالح الحزبية والفئوية الضيقة في كل تحركاتهم وبرامج عملهم وان يعملوا صفا واحدا، اليد في اليد والقلب الى القلب، من اجل إنقاذ الأوضاع وإخراج البلاد من النفق الذي تردت فيه.
ومن المنطقي ان يكون الوجه الجديد لتركيبة الحكومة مترافقا مع رؤية واضحة واولويات مدروسة وهو ما يستدعي بروز فاعلين سياسيين وحزبيين آخرين، ذلك ان تغيير الوزراء قد لا يعني الكثير اذا لم يكن متبوعا بدحر لمختلف عناوين الخيبة والفشل والأسماء التي اقترنت بهما في مختلف الميادين والقطاعات في الدولة والإدارة والأحزاب والمجتمع المدني والمجلس الوطني التأسيسي والاعلام أيضاً. ذلك هو ابلغ درس، اذا لا يمكن تحقيق الافضل والاحسن المأمولين بنفس عناوين مرحلة الفشل وبنفس الإرادة المهزوزة والمرتبكة وبنفس التوجهات الخاطئة والأيادي المرتعشة، لا بد من أياد ثابتة حازمة قاطعة والا «عادت حليمة الى عادتها القديمة».