هل لرئيس الدولة في جميع الأنظمة بالعالم إمكانية تعاطي اي نشاط آخر؟ وهل للمرزوقي الرئيس الذي يمثل التونسيين بعد الثورة الحق في التعامل مع مؤسسة إعلامية قطرية بمقابل أو بدونه؟ مدير الديوان الرئاسي للرئيس المؤقت منصف المرزوقي نفى ما تداولته وسائل الإعلام حول عمله كموظف لدى الجزيرة ولكن صاحب التصريحات سالم زهران قال ل «الشورق» : «أتحدى المرزوقي ان يكذبني وبيننا القضاء». وبعيدا عن كون رئيسنا يتقاضى مبلغا ماليا أو يكتب فقط للهواية يمكن القول أنه جميل جدا في ظاهر المسألة أن يكون لدينا رئيس مثقف وقادر على الكتابة ولكن هذا الرجل هو فوق كل التونسيين بالمعنى المجازي للكلمة وهو يمثل تونس التي لفتت ثورتها أنظار جميع البلدان ولم يعد ذلك الحقوقي المعارض لأنظمة الإستبداد وذلك الشخص الذي يمثل حزبا فقط.
والمرزوقي قال يوما في أحد تصريحاته أنه رئيس كل التونسيين فهل يعقل أن يعمل رئيس كل التونسيين في مؤسسة تابعة لدولة أخرى؟ ولدينا تفسيرا واحدا لحاجة المرزوقي للكتابة اليوم وهو افتقاده لصلاحيات الرئيس الفعلي الذي لا يجد وقتا لبنائه خاصة في البلدان التي تعيش مرحلة الإنتقال الديمقراطي. رئيس تونس الثورة يكتب في الجزيرة «نات» مقالات في شكل خواطر يتحدث فيها عن عديد المواضيع وكأنه مواطن عادي يتابع الوضع من الخارج وليس رئيسا لها والطرف الأعلى في الحكم واتخاذ القرار.
المرزوقي عنون أحد مقالاته المنشورة في الجزيرة «نات» بتونس إلى أين؟ بينما المفروض أن يفكر في إجابة لهذا السؤال الذي يطرحه التونسيون. وعبر عن الوضع في تونس بالتالي :
من يتأمل الوضع في تونس اليوم لا يرى إلا الأزمة. إنها أزمة عميقة معقّدة متتابعة مثل موجات المحيط، في كل الميادين... في المؤسسة السياسية، في الاقتصادية، في الأمنية، في القضائية، في الإعلامية، في الثقافية، في التربوية، في الاجتماعية.
ثمة أيضا الأزمة النفسية عند الكثيرين ممن فاق مستوى الإحباط لديهم مستوى الأمل. وكما كان المرزوقي صريحا في تعبيره عن الوضع في تونس كنا نود لو أنه كان صريحا في تقييم أدائه فيقول انه كان في الكثير من الأحيان عنصرا من عناصر الأزمة. استهانة بالشعب والدولة
في تاريخ رؤساء الدول حسب ما لدينا من معطيات لم يحدث أن تعاطى رئيس الدولة أي نشاط آخر إضافي لمهمته الصعبة والحساسة في آن واحد ويبدو أن رئيسنا كان له السبق في ذلك ولمزيد التوضيح تحدثنا إلى أخصائي في القانون الدستوري جوهر بن مبارك ورئيس شبكة دستورنا فافاد انه في جميع الأنظمة الدستورية وفي دستورنا القديم وفي القوانين التي تنظم الحياة السياسية في تونس تمنع المنتخبين من تعاطي أي نشاط بمقابل مالي أو تلقي أي مبالغ مالية من جهات داخلية أو خارجية والسبب بسيط وواضح هو تأمين استقلالية وتبعية المسؤول السياسي إلى أي جهة اقتصادية أو سياسية من شانها أن تمارس عليه ضغوط من هذا الباب.
وثانيا كل المنح التي يتلقاها المسؤولون السياسيون كالمنحة البرلمانية ومنحة رئيس الجمهورية ومنحة الوزراء فلسفتها تمكين المنتخبين من هذه الإستقلالية ولا يمكن تلقي منح وطنية مقابل خدمة ويتلقى في نفس الوقت أجورا من جهات أجنبية.
وثالثا والأخطر هو أن المرسوم الذي نظم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي منع كل المترشحين الفائزين من تعاطي أي نشاط مهني وحتى الذين لهم انشطة مهنية يجبرهم على الإستقالة منها وهذا موجود في القانون المنظم لانتخابات.
وإذا كان رئيس الجمهورية يعمل بشكل تعاقدي فهو خرق واقعي للقانون والمفروض ان يكون قد الغاه بمجرد انتخابه ويكون قد خرق نفس القانون إن تلقى مبالغ مالية وإن كان يكتب بلا أجر فالمسالة واحدة.
ورابعا إذا كان الخبر صحيحا فإنه يؤسفنا «كتوانسة» أن يكون رئيس الجمهورية موظفا في قناة الجزيرة ويعمل تحت إمرتها وهذا استهانة بالشعب التونسي والدولة والرئاسة.